تقرير: توقعات بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي
قال تقرير صادر عن “أبحاث كامكو” في تقريره الأخير حول مستجدات آفاق الاقتصادي العالمي، إنه من المتوقع أن يشهد معدل النمو الاقتصادي العالمي تباطؤاً مقارنة بالتقديرات السابقة.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى نسبة 3.3%، بالمقارنة مع توقعاته السابقة عند نسبة 3.5% لعام 2015، في حين توقع أن يصل معدل النمو إلى نسبة 3.8% فقط في عام 2016، وأن يرتفع هامشياً إلى نسبة 3.9% في عام 2018.
وبالرغم من ذلك يرى صندوق النقد الدولي أن القوى الأساسية الدافعة للتسارع التدريجي في وتيرة النشاط الاقتصادي بالاقتصادات المتقدمة مازالت تتمثل في الأوضاع المالية الميسرة، واتخاذ موقف أكثر حيادية تجاه السياسة المالية العامة المتبعة في منطقة اليورو، بالإضافة إلى انخفاض أسعار الوقود، وتحسن الثقة والأوضاع في سوق العمل.
وأضاف تقرير كامكو، أنه في الولايات المتحدة الأمريكية يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي موقفاً غير متوقع يتمثل في تراجع معدل البطالة، إضافة إلى الضغوط التضخمية. حيث سجلت معدلات التضخم تراجعاً متتالياً لتستقر عند مستوى أقل من نسبة %.
وأشار التقرير إلى أنه في ظل توقعات استمرار انخفاض أسعار النفط وعدم ظهور بوادر تعافٍ ملحوظ في الأفق، من المنتظر أن تبقى معدلات التضخم في الولايات المتحدة دون المستوى المستهدف في سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
و تراجع الزخم التصاعدي الذي شهدته أسواق الأسهم في الولايات المتحدة على مدى ستة سنوات بدءاً من الأزمة المالية العالمية منذ منتصف العام الماضي، حيث توقف صعود أسواق الأسهم في العام الحالي نتيجة المخاوف المتزايدة من تباطؤ النمو الاقتصادي للصين بشدة والتي أثرت بدورها على أداء أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم.
وقد قام المستثمرون بسحب مبلغ قياسي مقداره 29.2 مليار دولار أمريكي من صناديق الأسهم في الأسبوع المنتهي في 26 أغسطس 2015 نتيجة لخفض قيمة اليوان، والمخاوف المثارة بشأن معدلات نمو الاقتصاد العالمي. وعلى صعيد سوق السندات، ارتفعت عائدات السندات في الولايات المتحدة بالمقارنة مع عائدات السندات السيادية في ألمانيا واليابان.
وفي منطقة اليورو كان يبدو انتعاشاً للنشاط الاقتصادي في منطقة اليورو في بداية عام 2015 مع انتعاش أسواق الأسهم، وتراجع معدلات البطالة أصبح بموضع شك كبير بعد الأزمة في اليونان وضعف الأداء الاقتصادي في فرنسا وإيطاليا.
واستمرت معدلات البطالة بمنطقة اليورو في التراجع خلال شهر يوليو من عام 2015 الحالي، حيث انخفضت إلى مستوى أدنى من نسبة 11%، وذلك للمرة الأولى منذ فبراير 2012 وفقاً للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبي (اليوروستات) مما عزز الآمال بأن الانتعاش الاقتصادي بات وشيكاً.
وواصل معدل التضخم في منطقة اليورو المضي في مساره التراجعي منذ السنوات الثلاث الماضية متراجعاً إلى أقل من نسبة 0% ليبلغ مرحلة الانكماش في ديسمبر 2014.
وفي حديثه عن الأسواق الصاعدة قال التقرير إن العملية التصحيحية السلبية لتوقعات نمو الاقتصاد الصيني قد أثرت على مسيرة النمو الآسيوي، حيث شهد السوق الصيني الذي يعد أكبر سوق استهلاكي في العالم تباطؤاً ملحوظاً في النمو الاقتصادي مما أثار الشكوك في ارتفاع معدلات النمو العالمية.
ومع ذلك توجد استثناءات مثل الهند التي يتوقع أن ينمو اقتصادها بمعدل أعلى من نسبة 7% مما سيوفر الدعم اللازم لنمو الاقتصاد العالمي.
ومازالت البرازيل تواجه تحديات سياسية واقتصادية كما يتبين من انخفاض قيمة الريال البرازيلي، والتي دفعت مؤسسة ستاندرد آند بورز (S&P) إلى خفض تصنيفها الائتماني إلى أدنى درجة.
وتراجعت أسعارصرف العملات في الأسواق الصاعدة إلى أدنى مستوى لها منذ السنوات العديدة الماضية كرد فعل لخفض قيمة اليوان الصيني. وشهدت أسعار صرف العملات في الأسواق المنافسة للسوق الصيني مثل الروبية الهندية، والوون الكوري، والرنجت الماليزي، والبات التيلاندي انخفاضاً بمستويات مختلفة، مقابل سعر الدولار الأمريكي حيث حافظت العملة الأمريكية على مخزونها الاحتياطي مقارنة باليورو.
ومن المتوقع أن يعطي الانتعاش الطفيف الذي ستشهده الأسواق الصاعدة مزيداً من الدعم للدولار الأمريكي باعتباره عملة آمنة.
و شهد النمو الاقتصادي العالمي عملية إعادة توزيع بين الاقتصادات المكونة له نظراً للأحداث التي جرت خلال النصف الثاني من عام 2015، إذ شكل تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين ضربة قوية لتوقعات النمو الاقتصادي العالمي التي تم تخفيضها في وقت لاحق.
ومع ذلك من المتوقع أن يؤدي انخفاض أسعار النفط والفائض الناتج عنه في تكاليف الوقود بالنسبة للدول المستوردة للنفط إلى المزيد من الاستثمارات في الدول النامية مثل الهند، إضافة إلى ارتفاع الدخل المتاح للإنفاق لدى المستهلكين مما سيعطي دفعة فورية لنمو القطاعات التي تستهدف المستهلك.
و من المتوقع أن تمثل بعض العوامل مثل الأوضاع المالية الميسرة، واتخاذ موقف أكثر حيادية تجاه السياسة المالية العامة في أوروبا، وتحسن الثقة والأوضاع في سوق العمل محركا لنمو النشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة.
و مازال التضخم يشكل قلقاً في الاقتصادات النامية والمتقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا، حيث سجلت معدلات سلبية واقتربت من مستويات تاريخية من الانخفاض طوال العام الماضي.
ومن المرجح أن يتم تأجيل رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، الذي كان متوقعاً بدرجة كبيرة خلال النصف الثاني من العام الحالي، لمدة أطول في حين حددت دول أوروبا بالفعل إجراءات التسيير الكمي التي ستنفذها في غضون السنوات الثلاث المقبلة، حيث إن نموها الاقتصادي مازال ضعيفاً وهشاً.
واقتربت أسعار السلع الاستهلاكية من مستويات تاريخية من الانخفاض في الآونة الأخيرة، وجاء ذلك الانخفاض مقترناً بالعقبات والمعوقات التنظيمية والعوامل الجغرافية السياسية في أمريكا اللاتينية، وأوكرانيا، وروسيا، والشرق الأوسط، ومناطق من أفريقيا حيث من المرجح أن يؤثر على النمو في هذه الاقتصادات.
و أدى التراجع الحاد في عملات الأسواق الصاعدة إلى تزايد الضغوط المالية؛ بسبب مخاطر التمويل التي يواجهها المقترضون المدينون بالدولار الأمريكي. من ناحية أخرى، يواصل سعر صرف اليورو الانخفاض مقابل الدولار الأمريكي خاصة بعد فك ارتباط الفرنك السويسري باليورو في بداية عام 2015.
وتوقع تقرير كامكو أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفاعاً في معدلات النمو الاقتصادي رغم استمرار تراجع أسعار النفط.
كما أنه من المتوقع أن يكون النمو الاقتصادي معتدلاً في الدول المصدرة للنفط، بينما ستستفيد الدول المستوردة من انخفاض أسعار النفط مما سينتج عنه تحسن أوضاع المالية، وانخفاض مخاطر التعرض لعوامل الضعف الخارجية.
وبدأت أسعار النفط في الانخفاض منذ سبتمبر 2014، حيث هبطت بأكثر من 50% بحلول نهاية العام؛ نظراً لاستمرار المخاوف من تزايد المعروض النفطي.
وانخفضت أسعار نفط سلة أوبك إلى أدنى مستوى لها منذ ست سنوات، وبلغت 40.5 دولار أمريكي للبرميل في 25 أغسطس؛ بسبب المخاوف المتعلقة بالوضع الاقتصادي الصيني، وتأثيره على معدلات النمو العالمية.
و من المتوقع أن يبلغ الانخفاض في عائدات الصادرات النفطية 287 مليار دولار أمريكي في عام 2015 (21% من الناتج المحلي الإجمالي) في دول مجلس التعاون الخليجي و90 مليار دولار أمريكي (11% من الناتج المحلي الإجمالي) في الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ومن المرجح أن يدفع ذلك غالبية اقتصادات الدول المصدرة للنفط في المنطقة إلى تسجيل عجز في الموازنة وإن كان لفترة قصيرة.
وتوقع التقرير أن يعود الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي إلى المستويات المسجلة قبل العام 2013 في دول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل القريب، ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى إعلان السعودية عن إصدار عدد من السندات السيادية لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها.
وارتفعت إصدارات السندات التقليدية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 76.4% خلال النصف الأول من عام 2015 لتصل إلى 44.6 مليار دولار أمريكي ،بالمقارنة مع مستواها في النصف الثاني من عام 2014، بينما بلغ معدل النمو في فترة النصف الأول من عام 2014 نسبة 8.4%.
وفيما يتعلق بإصدارات الصكوك، احتلت المملكة العربية السعودية المركز الأول، حيث بلغ إجمالي قيمة الإصدارات 4.9 مليار دولار أمريكي أو ما يوازي نسبة 37% من إجمالي قيمة إصدارات الصكوك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2015.
ومن المتوقع أن تتجه أسعار الفائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفترة طويلة الأمد إلى الارتفاع تماشياً مع حركة أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، فإن أي زيادة في أسعار الفائدة الأمريكية ستؤدي إلى تقييد الأوضاع المالية في منطقة الخليج مما سينتج عنه ارتفاع تكلفة تمويل المشروعات.
وحافظت اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مسيرة نموها المتصاعد حيث يتوقع أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من نسبة 2.4% في عام 2014 إلى نسبة 2.7% في عام 2015.
ومع ذلك، تباطأ محرك النمو واتسع حالياً نظراً للانخفاض الكبير في أسعار النفط،. ودفع التراجع الملحوظ في أسعار النفط حكومات دول المنطقة إلى إعادة النظر في خططها الإنفاقية والاستثمارية والتركيز فقط على تنفيذ المشروعات والأنشطة الأساسية، وتأجيل أو إلغاء المشروعات غير الأساسية.
أمَّا بالنسبة لمعدل نمو الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن المتوقع أن يرتفع في عام 2015 إلى نسبة 3.9% من نسبة 2.5% المسجلة في عام 2014؛ نتيجة لتزايد الثقة في الاقتصاد المحلي، والاستقرار النسبي في الأوضاع السياسية، واتباع سياسات مالية ونقدية ميسرة.
ومن المتوقع أن تؤدي الوفرات المتحققة من انخفاض أسعار النفط إلى تحسن الأوضاع المالية وشبه المالية وعوامل الضعف الخارجية بدلاً من أن يؤدي إلى تسارع معدلات النمو. وينبغي أن يساعد تحسن الوضع المالي تلك الدول على تنفيذ إصلاحات في مجال الدعم، وإجراء تغييرات تنظيمية كان يصعب تحقيقها بطريقة أخرى.
وأضاف التقرير الى أن منطقة دول مجلس التعاون الخليجي المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث إن معدلات النمو في دول مجلس التعاون الخليجي قد فاقت مثيلاتها في بقية اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن المتوقع أن يؤثر التراجع في قيمة الصادرات بمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي سلباً على رصيد الحساب الجاري في دول الخليج والذي يتوقع أن يتراجع من 271.8 مليار دولار أمريكي في عام 2014 أو ما يوازي نسبة 16.5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 40.2 مليار دولار أمريكي فقط في عام 2015. وعلى صعيد كل دولة على حدة، من المتوقع أن تسجل السعودية، وعمان، والبحرين عجزاً في ميزان الحساب الجاري خلال عام 2015.
و استقر معدل التضخم عند أقل من نسبة 3% على الرغم من ارتفاع مستوى السيولة النقدية نظراً لاستمرار انخفاض أسعار المسكن والمواد الغذائية. وبما أن معظم العملات الخليجية مربوطة بالدولار الأمريكي فإن ارتفاع سعر صرف الدولار في عام 2015 قد حد من مستويات التضخم. ومن المستبعد أن يشهد التضخم تراجعاً حاداً مع انخفاض أسعار النفط؛ حيث تتحكم الحكومة في أسعار الوقود.
من المتوقع أن تسجل دول مجلس التعاون الخليجي أعلى معدل نمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مدعوماً بارتفاع الإنفاق في قطر، والإمارات، والسعودية.
ويتزايد الإنفاق على مشاريع البنية الأساسية حيث يعتبر قطاع البناء والتشييد المحرك الأساسي لهذه الزيادة، ومن المزمع تنفيذ مشاريع تقدر بقيمة 2.8 تريليون دولار أمريكي، يقع معظمها في المملكة العربية السعودية.
إضافة إلى ذلك، سيعقد عدد من اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انتخاباته في السنة المقبلة (مثل مصر، وإيران، وليبيا، والمغرب) وينبغي أن توفر الحكومات المستقرة التوجيهات اللازمة.
