هل ستتعامل دول الخليج قريباً مع واقع العملات الرقمية؟
العملات الرقمية”.. هي واقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله، فرغم الضغوطات التي تتعرض لها، فإن إقبال المستثمرين بدول الخليج سيجعلها تفرض نفسها على الجميع بقوة.
وتُعرف تلك العملات التي حظيت بشعبية واسعة في الآونة الأخيرة بالعملة المُعماة أو العملة الإلكترونية، وهي عبارة عن تمثيل لممتلكات رقمية، وبشكل أكثر دقة، فهي عبارة عن برنامج مكتوب بلغة برمجة معينة وباستخدام تقنيات تشفير عالمية تجعل من عملية اختراقها والتلاعب بها أمراً أشبه بالمستحيل.
تجربة السعودية
ودخول تلك العملات في طور التجربة بين المؤسسات بالسعودية –أكبر الاقتصادات الخليجية- يؤكد أن بعض الدول تسعى لإقرارها، في وقت لا تزال التشريعات العالمية ترفضها، رغم بروزها وانتشارها الفترة الأخيرة.
وفي مطلع الشهر الجاري، وفي مؤتمر صحفي بالرياض قال محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) أحمد الخليفي، إنه لن يكون هناك ريال ورقي في المرحلة القادمة كاشفاً عن وجود خطة لوضع عملة رقمية تجريبية للتداول بين البنوك لمواكبة التطورات العالمية.
وقبل ذلك وفي سبتمبر الماضي، أطلقت شركات نوكس البريطانية مشروع “أستون بلازا ريزيدنس”بإمارة دبي بـ 325 مليون دولار، وسمحت للمستثمرين فيه بشراء المساكن بالعملة الرقمية “البتكوين”.
وقال باسل أبوطعيمة المستشار الاقتصادي لـ “مباشر”، إن العملات الافتراضية أو ما يطلق عليها العملات الرقمية هي واقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله رغم الضغوطات السلبية التي تتعرض لها هذه العملات بشكل مستمر من طرف البنوك المركزية وحكومات بعض الدول المتقدمة.
ورجح أبوطعيمة أن تعاود الحكومات بدول الخليج خلال العام الجاري وبموعد أقصاه مطلع العام المقبل إعادة النظر في الاعتراف فيها ودراسة البدء في تطبيقها والعمل بها.
وأشار أبوطعيمية الى أن الرفض وبعض الاعتراضات حيالها بدأت تقل أصواتها منذ انطلاق 2017 مما ينبأ بتطور في تعاطي تلك الفكرة.
نظرة تاريخية
ففي دبي كانت البداية، وبدأ تطبيق البتكوين في دبي في 2014 عن طريق عمليات شراء وجبات في مطعم للبيتزا مقابل البتكوين وتركيب جهاز صرف آلي للعملة الرقمية كان يطلق عليه “مانجو غو ” وكان قد تم تركيب الجهاز في مدينة دبي للإعلام.
وفي العام ذاته ولكن في دولة مختلفة دولة الكويت فكانت أسواق السفير أول الأسواق تقبل تعامل البتكوين.
وعادت الفكرة تشتعل في دبي مرة أخرى، ففي عام 2015 تم عقد مؤتمر حول البتكوين في مركز دبي العالمي بمشاركة شركة بيت اوسيس وهي الشركة نفسها التي أطلقت أول خدماتها المدفوعة لاستبدال العملات بالبتكوين وكان قم تم إطلاق الخدمة أولاً في الإمارات، وعقب ذلك تم إطلاقها في الكويت والبحرين والسعودية وقطر.
ونلاحظ ان الانطلاقة في عام 2014 و2015 لا بأس بها كبداية للعملة الرقمية في نطاق دول الخليج خصوصاً أنها كانت على مستويات رخيصة وسهلة للتداول.
سلبيات
ولكن سرعان ما بدأ الإعلام ينشر السلبية في تداول هذا النوع من العملات معتمداً على سياسة البنوك المركزية التي كانت تطلق التحذيرات والتنبيهات على أنها عملات غير ملموسة وليس لها أي وجود فيزيائي.
وفي نهاية 2014 حذرت مؤسسة النقد السعودي العربي المواطنين من تداول هذه العملات حماية للمواطنين من أي عمليات نصب واحتيال قد يتعرضوا لها.
وفي حينها تم القضاء على فرصة نمو مستقبل تطبيق البتكوين في منطقة الخليج نظراً لأسعارها المثالية للشراء في تلك الفترة مقارنة بارتفاع أسعارها في وقتنا الحالي.
كما أوقفت اللوائح والقوانين في ذات التوقيت فرصاً كثيرة من الشركات الاستثمارية والمالية العالمية في تطبيق التداول لهذه العملات.
وقال باسل أبوطعيمة: “نحن بالتأكيد لا نلقي اللوم على المؤسسات المالية والبنوك المركزية الخليجية في منع ومحاربة التداول بالعملات الرقمية نظراً لحرصها على إبقاء أنظمتها المالية سليمة وآمنة.
مستقبل مزدهر
ويرى أبوطعيمة أنه يجب إعادة النظر مرة أخرى في هذا الموضوع كما فعلت مسبقاً دول أخرى مثل: روسيا وألمانيا وسويسرا واليابان وحتى الصين التي قبل شهر أوقفت منصات تداول كثيرة للعملات الرقمية، إلا أنها قد عاودت وأعلنت أنها ستعاود فتح هذه المنصات مرة أخرى.
وبين أبوطعيمة الى أن السبب في ذلك يعود أن مستقبل العملات الرقمية سيزدهر وسيكون هو المعتمد في أي نظام مالي، وهذا طبيعي لما تشهده دول العالم من تطور سريع في مجال الإلكترونيات والبرمجيات التي اقتحمت حياة جميع الأفراد بجميع الأعمار.
التجارة الإلكترونية
وأوضح باسل أبوطعيمية، أن الابتعاد أو التأخر في دراسة وضع لوائح وقوانين لتداول العملات الرقمية من طرف البنوك المركزية الخليجية سيكون له أثره السلبي على برامج واستثمارات التجارة الإلكترونية، وخصوصاً تجارة العقارات إلكترونياً والتي بدأت تشق طريقها مؤخراً بالمنطقة.
وقال مدير التطوير لدى ثانك ماركت إن المعاملات الرقمية يمنح الدولة القدرة بشكل أكبر على تتبع الأداء الاقتصادي وتقلل من اقتصاد الظل الذي عادة ما يستفيد من التعامل بالعملات الورقية دون أن يتم قيدها رسمياً وتكون أداة من أدوات غسيل الأموال.
وأضاف أحمد جمعة أن العملات الرقمية تقضي على مثل هذه الحالات في ظل وجود أصل لجميع العمليات التي تم الدفع لها بواسطة العملات الرقمية”.
وأوضح جمعة أن التحول للعملات الرقمية هو مواكبة للتطورات التكنولوجية التي شهدها العالم، ومن أهم مزاياه تقليل تكاليف الإصدار وسهولة النقل وتكاليف أقل للحماية وغيرها.
وأضاف جمعة أن العملة الرقمية ليست بالضرورة أن تكون عملة مشفرة مثل العملة الشهيرة بتكوين، ولكن أن تكون صادرة عن جهة رسمية حكومية وهو ما يضيف لها ميزة الحماية والثقة، وبالتالي تحقق هدف الدولة باستقرار العملة وهو أمر لا يتوفر في حالات العملات المشفرة الأخرى.
وأشار جمعة إلى أن التحول إلى العملات الرقمية ليس أمراً سهلاً وبحاجة إلى جهود كبيرة ومتطلبات تقنية كبيرة تمنح السهولة في الاستخدام والحماية الكبيرة لمالكي العملات الرقمية من عمليات القرصنة الإلكترونية”.
مستويات الآمن
ويرى فادي الغطيس الرئيس التنفيذي لشركة مايندكرافت للاستشارات، أن إشكالية تعاطي الحكومات الخليجية مع تلك العملات في مستويات الآمن وبالتالي تحتاج إلى فترة للتجربة لكشف المميزات والعيوب لتفاديها لأنها أصبحت من متطلبات العصر.
وأكد الغطيس أن الحكومات الخليجية سوف تقترب لا محالة من تبني تلك العملات الرقمية في ظل سعي بعضها لتجربتها لمفأدة العيوب التي من الممكن أن توقعها في شبهة غسيل أموال أو معاملات غير شرعية دولياً.
ولفت الغطيس إلى أن دول الخليج ليس لديها مانع كمؤسسات مالية في التعاطي في مع فكرة التعامل بالعملات الرقمية رسمياً.
من جانبه توقع إبراهيم الفيلكاوي المستشار الاقتصادي، أن تشهد هذه العملات الرقمية اهتماماً أكثر من الحكومات الخليجية الفترة القادمة في ظل المكاسب المثيرة التي تحققها تلك العملات وإقبال مؤسسات عالمية التعامل بها.
وأوضح الفيلكاوي أن هناك دولاً بالمنطقة لم تمنع التعامل به كالإمارات والكويت، متوقعا أن تستمر كعملة للمضاربة والتداول لشراء بعض العقارات والسلع فقط.
ورجح الفيلكاوي أن تعتمدها المصارف المركزية الخليجية كأساس للتعامل وبديلاً للعملة الورقية.
تحولات متسارعة
وقال الدكتورعبدالرحمن الحميدي المدير العام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، إن هناك تحولات متسارعة حول العالم ناتجة عما يعرف بالثورة الرقمية وتنامي استخداماتها، التي باتت تشكل متغيراً مهماً في الصناعة المالية والمصرفية والخدمات والمنتجات المرتبطة بها، ومنها استخدام العملات الافتراضية.
وقدر الحميدي أن تتجاوز تداولات عملة «البيتكوين» على سبيل المثال ما قيمته 100 مليار دولار عن عام 2017.
ونوه بأن تنامي استخدام العملات الافتراضية بما في ذلك على صعيد التحويلات عبر الحدود، يؤدي إلى تداعيات على استقرار القطاع المالي والمصرفي، ويفرض تحديات على المصارف المركزية.
عملات شبيهة
وقال سامي صيدم الخبير بأسواق المال والعملات: أتمنى وأحذر دول الخليج من الانخراط بشكل كامل أو حتى جزئي بهذه العملة أو العملات الشبيهة.
وأوضح صيدم أن من أبرز تلك الاسباب هذه محاربة بقوة من مؤسسات مالية كبيرة بالعالم لأنها لا تخضع لأي جهة رقابية في العالم، وبالتالي التحذير منها من المؤسسات الرقابية العالمية وهذا التحذير هو حرب عليها حتى تنتصر لإلغائها وبالتالي ستكون خسارة كبيرة لمن تعامل معها مستقبلاً.
وقال إن تلك العملات تكمن مخاطراتها أنها وسيلة لتبيض الأموال وتنقلها بين العصابات وتجار الممنوع وإتاوات وفدية كما لاحظنا سابقاً من جرائم السايبر.