تقرير _ تقلبات أسعار النفط عالمياً تهدد معدلات النمو بدول الخليج
أدت التراجعات الحادة التي عصفت بأسواق المال العالمية والعربية جراء انخفاض أسعار النفط لأدني مستوي لها منذ ديسمبر 2010 إلي تسليط الضوء من جديد علي القطاعات الغير نفطية في دول الخليج حتي لا تتعرض اقتصاديات المنطقة لهزات عنيفة في أعقاب الاضطرابات التي تتعرض لها أسواق النفط وتؤثر سلبياً علي الفوائض المالية لتلك الدول في المستقبل .
وهبطت أسعار النفط العالمية خلال الأيام الماضية الى ما دون مستوى 85 دولار للبرميل وهو ادني مستوي له منذ أربعة سنوات تقريبا حيث يشكل النفط ما يقرب من 49% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بالإضافة إلي كونها تمتلك أكبر احتياطي نفطي عالميا يُقدر بنحو 486.8 مليار برميل أي ما يعادل 35.7% من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام وما نسبته 70% من إجمالي الاحتياطي العالمي لأوبك.
وتقوم الدول الخليجية باحتساب موازناتها العامة على اساس معدل سعر برميل النفط وبعدها تقدر ان كان هناك فوائض او عجز عند نهاية السنة المالية.
واحتسبت الكويت في ميزانيتها الأخيرة معدل اسعار النفط عند مستوى 75 دولار بينما قطر تحفظت قليلا واحتسبته عند 65 دولار والسعودية كانت هي الاعلى حيث احتسبت سعر برميل النفط لتعادل الموازنة عند 90 دولارا.
وقال خبراء ومحللون “ان مع انخفاض اسعار النفط الحالية دون مستوى 85 دولارا وتقريبا 20٪ من مستواها أواخر عام 2010 بدأت الدول الخليجية بالقلق تجاه هذا الانخفاض خوفا من دخولهم في دائرة العجز بعدما كانت تحقق الفوائض الضخمة في السنوات الماضية جراء ارتفاع اسعار النفط الى مستوياتها القياسية”.
كما حذرت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية فى تقريرها الآخير عن اقتصاديات دول التعاون من أن اعتماد الحكومات الخليجية على إيرادات النفط والغاز يشكل نقطة ضعف رئيسية لاقتصادات وتصنيفات هذه الدول، وبالتالي يشكل مخاطر ائتمانية.
وأكدوا فى حديث لهم ان الهبوط الحاد فى اسعار النفط سيؤثر بلا شك علي نمو اقتصاديات المنطقة حيث أن دول الخليج في معظمها اعتمدت موازنات انفاق كبيرة جدا خلال السنوات الماضية معتمدة علي فوائض مالية كبيرة نتيجة ارتفاع اسعار النفط .
مشيرين الى ان دول التعاون ستضطر الى السحب من فوائضها واستثمارات صناديقها السيادية اذا ما استمر نزيف اسعار النفط لفترات طويلة.
وتوقعوا ان ترتفع أسعار النفط مرة أخري الى مايقرب من مستوى الـ 90 او 100 دولار مبررين ذلك بدخول موسم الشتاء وبالتالي زيادة الطلب على وقود التدفئة وعودة معضم المصافي لعملياتها التشغيلية.
وتوقع بشير الكحلوت ، الخبير الاقتصادي ومدير مركز البيرق للدراسات، في تصريح لـ مباشر”: ان تدخل بعض الدول الخليجية وابرزها المملكة العربية السعودية فى دائرة العجز بسبب الهبوط المروع فى اسعار النفط بحلول عام 2015 .
وأوضح مسؤولون إن السعودية أكبر منتجي أوبك مستعدة لقبول أسعار نفط تقل عن 90 دولارا للبرميل ومنخفضة ربما إلى 80 دولارا لمدة سنة أو سنتين وذلك وفقا لاشخاص تم إطلاعهم على هذه اللقاءات التي عقدت في الأونة الأخيرة.
وأكد ان “الكحلوت” ان مشروعات البنية التحتية فى دول التعاون وعلى الأخص فى قطر والكويت لن تتأثر بالعام الجاري حيث بدأت تلك الدول فوائضها المالية فى تلك المشاريع وخصوصا قطر بمشاريع مونديال 2022.
وحول تأثير الانخفاض المستمر في أسعار النفط على دول التعاون، ذكرت «موديز» فى تقرير لها بعنوان “النفط 2020” أن الكويت وقطر بمعزل نسبياً عن المخاطر على اعتبار أن نقطة التعادل في اسعار النفط لديهما دون 60 دولارا، هذا ولم يتوقع أي سيناريو آخر عن الضغوط صادر عن الوكالة أن يتراجع سعر النفط إلى دون هذا المستوى. ومع ذلك، يتوقع التقرير أن تضمحل مرونة الحكومة في قطر في خيارات الإنفاق بشكل أسرع من الكويت.
ولفتت الوكالة إلى أن الحكومتين الكويتية والقطرية تملكان ما يكفي لتتلاءم مع تراجع أسعار النفط في ميزانياتها، ولديها أموالا ضخمة في صناديقها السيادية، يمكن الاعتماد عليها كمصدر تمويل إضافي لتجاوز ضعف التسعير على المدى الأطول في أسواق النفط والغاز.
وأكد التقرير ان الشركات القطرية والكويتية هي الأقل تأثراً بتراجع أسعار النفط لفترة طويلة، بينما نظيرتها البحرينية والعُمانية هي الأكثر تأثراً.
وأضاف “الكحلوت” بقوله أيضا إن قطر والكويت ستظل متمتعة بفوائضها المالية ملم يلامس النفط مستوى الـ 75 و65 دولار حيث ان موازنة تلك الدولتين كما ذكرنا سالفا تحسب عند سعر 65 و75 دولار للبرميل .
ومن جانبه ، توقع على العنزي المحلل الفني والاقتصادي في M & R للاستشارات المالية الإسلامية باسواق الخليج لـ “مباشر” : ان تضطر دول مجلس التعاون من السحب فى الفترة القادمة من احتياطيات الصناديق السيادية اذا ما استمر نزيف اسعار النفط لفترات طويلة.
وبدوره قال أحمد حسن كرم الخبير الاقتصادي والنفطي بالخليج لـ”مباشر”: ربما كان تحفظ بعض الدول الخليجية في احتساب اسعار برميل النفط لموازناتها كالكويت وقطر والإمارات مثلا خير قرار تحسبا لمثل هذه الظروف.
فبالرغم من انخفاض الاسعار الحالية الا ان تلك الدول الثلاثة لازالت ستحقق الفوائض المالية مادامت اسعار النفط اعلى من ال 75 و65 دولارا ولكنها من الطبيعي ستكون اقل من العام الماضي.
مضيفا قوله “لو اردنا ان نتوقع لمستقبل اسعار النفط للفترة المقبله فاننا نراه سترتفع مره اخرى مع دخول موسم الشتاء حيث يزداد الطلب على وقود التدفئة وعودة معضم المصافي لعملياتها التشغيلية. ولكن هذا اذا ما تدخلت عوامل اخرى تؤدي الى انخفاض اسعار النفط اكثر مما هي عليه الان”.
الكويت أكثر الدول اعتمادا على النفط
تصدرت دولة الكويت الدول الخليجية من حيث الاعتماد على النفط حيث شكل القطاع النفطي نحو 64% من اجمالي الناتج المحلي والذي يتوقع له نموا 2.6% فى 2014 _ بينما شكل القطاع الغير نفطي بالدولة نحو 36% من الناتج.
وبلغت إيرادات الكويت نحو 35.6 مليار دينار وفى المقابل بلغ اجمالي الإنفاق نحو 21.5 مليار دينار .
واحتلت دولة قطر المرتبة الثانية فى تلك القائمة حيث بلغت نسبة القطاع النفطي من الناتج المحلى نحو 54% فى مقابل 46% للقطاع الغير نفطي .
ووصلت إيرادات دولة قطر نحو 346.6 مليار ريال وفى المقابل بلغ اجمالي الإنفاق نحو 213.7 مليار ريال.
وجاءت عمان فى المرتبة الثالثة بين تلك الدول من حيث استحواذ القطاع النفطي من الناتج المحلي بالدولة بنسبة 49% فى مقابل 51% للقطاع الغير نفطي .
وأما المملكة العربية السعودية فقد احتلت المرتبة الرابعة بين تلك القائمة بنسبة 47% مقابل 53% للقطاع الغير نفطي بالدولة .
ووصلت إيرادات السعودية نحو 1156.3 مليار ريال وفى المقابل بلغ اجمالي الإنفاق نحو 976 مليار ريال.
وحلت دولة الإمارات فى المرتبة الخامسة فى تلك القائمة بنسبة بلغت 33% بينما بلغ نصيب القطاع الغير نفطي بالدولة نحو 67% من اجمالي الناتج المحلي .
وأما عن البحرين التي حلت بالمرتبة الأخيرة فى تلك القائمة بنسبة 28% فى مقابل استحوذ القطاع الغير نفطي على 72% من اجمالي الناتج المحلي .
وبصفة عامة تمثل الإيرادات النفطية في دولة قطر والإمارات العربية المتحدة نحو 60 % من إجمالي إيرادات كل من الدولتين. بينما تقترب من 90 % في المملكة العربية السعودية و93 % في الكويت.
وفي مقارنة لاتجاهات الإيرادات في الموازنات الخليجية، يظهر بوضوح أن مساهمة إيرادات القطاع غير النفطي أقل بكثير بالمملكة العربية السعودية ودولة الكويت مقارنةً بدولة قطر والإمارات العربية المتحدة.
فمن حيث الإيرادات الإجمالية بالقطاع النفطي وغير النفطي سجلت قطر نمواً كبيرا بنسبة 19 % سنوياً على مدى السنوات الخمس الأخيرة.
كما تفوقت قطر أيضاً على دول الخليج الأخرى من حيث نمو إيرادات القطاع غير النفطي ، وحققت معدل نمو سنوي مركب بنسبة 18 % على مدى السنوات الخمس الأخيرة.
الفوائض المالية وتوصيات بالاستغلال فى القطاعات غير النفطية
وتعتمد دول الخليج اعتمادا كبيرا على إيرادات النفط ولكن لديها احتياطيات مالية كبيرة فى حين أن مستويات الدين منخفضة جدا ما يتيح لها مواصلة الإنفاق على النمو الاقتصادى عند الحاجة.
وحققت 5 دول من دول مجلس التعاون فائضا ماليا بلغ نحو 146.7 مليار دولار بنهاية 2013، فيما عدا دولة البحرين والتي حققت عجزا ماليا بلغت قيمتة 1.3 مليار دولار.
فيما جاء على راس تلك قائمة الأعلى بالفوائض المالية بين دول التعاون المملكة العربية السعودية بنحو 54.6 مليار دولار مستحوذا على نحو 37%من اجمالي الفائض المالي لدول الخليج .
بينما جاءت دولة الكويت فى تلك القائمة فى المرتبة الثانية بفائض مالي بلغ نحو 34.1 مليار دولار مثلت مانسبتة 23% من الإجمالي .
وحلت ثالثا بين دول الخليج بتلك القائمة دولة الإمارات بفوائض قدرت بنحو 29.7 مليار دولار مستحوذا على 20% من اجمالي الفوائض .
واستحوذت دولة قطر على المربتة الرابعة بنسبة 17% حيث بلغت فوائضها بهذا العام نحو 25.3 مليار دولار.
وحلت بالمرتبة الأخيرة سلطنة عمان بنحو 4 مليار دولار مثلت نسبة 3%.
ودعي اقتصاديون دول التعاون الى استغلال تلك الفوائض الضخمة من خلال التوسع فى استثمارات القطاع الغير نفطي وفى مقدمتهم الكويت السعودية وقطر وباقي دول الجاور .
موضحين بأن واجب الوقت بالنسبة للحكومات القائمة فى تلك الدول هو البحث عن الفرص الاستثمارية الممكنة فى العالم للتوسع بتلك الاستثمارات الغير النفطية