الإمارات: القروض الشخصية بالدولة بلغت ذروتها وتحتاج إلى تقنين ورقابة
تحقيق طموحاتك وأحلامك الآن أصبح أسهل من أي وقت مضى، سواء كنت تفكر في الحصول على سيولة نقدية من أجل الزفاف، أو السفر أو لدفع ثمن الخدمات الطبية أو لأي غرض آخر، فإن القرض الشخصي سيكون الحل الأمثل بالنسبة لك، حيث يمكنك الحصول على القرض وسداده من الراتب أو مستحقات نهاية الخدمة، أو من دخل منتظم آخر . واطمئن فإن لوائح البنك المركزي لا تمنع الحصول على قرض شخصي حتى من غير البنك الذي تحول عليه راتبك، مع إمكانية شراء القروض القائمة لدى بنوك أخرى .بحسب جريدة الخليج
هكذا يبدأ الحديث بينك وبين مندوب البنك، وبعبارات معسولة تبدأ بأسعار فائدة منافسة، وفترة سداد مرنة، ومبلغ قرض ضخم يصل أحياناً إلى ملايين الدراهم، وخيارات في السداد، وفترة سماح، تنتهي بإجراءات سهلة وسريعة، يقع المواطن فريسة سهلة أمام تلك الإغراءات التي تقدمها البنوك المنتشرة في الدولة .
وتصل المشكلة إلى ذروتها مع حصول عدد كبير من المقيمين باختلاف جنسياتهم على قروض والعودة إلى بلدانهم إما للعجز عن السداد وإما لسوء النية المبيت مسبقاً لدى البعض، لنجد أنفسنا أمام ظاهرة خطرة تسمى بالقروض الشخصية تبحث عن حلول ناجعة، هذه الظاهرة كانت محل نقاش مجلس راشد بن يعروف السويدي الرمضاني الذي أقيم في منزله العامر بمنطقة الخوانيج في دبي، بحضور اللواء عبدالجليل العسماوي، وعبيد سلطان الشامسي (رجل أعمال)، وعلى ناصر بالحبالة نائب رئيس مجلس إدارة نادي دبي الدولي للرياضات البحرية وبطل العالم في سباق الزوارق سابقاً، والدكتور على الشعيبي مفكر وخبير في الشؤون الإعلامية، وأحمد بن بطي بن بشر (أعمال حرة)، والدكتور محمد حمدان (طبيب أسنان)، وعبدالله راشد بن يعروف السويدي أخصائي بالضمانات البنكية ببنك الإمارات الإسلامي، وسليمان محمد خليفة السويدي (رجل أعمال)، والدكتور عمر عبدالعزيز الحاي، وشريف فخري نائب رئيس الصندوق الأمريكي لتنمية الشرق الأوسط، ومحمد راشد بن يعروف السويدي موظف ببنك دبي الإسلامي، وعبدالله بن دخان (دراسات في المحاسبات) .
في بداية الجلسة رحب راشد بن يعروف السويدي الخبير في الشؤون المالية والمحاسبية بضيوفه وشكر لهم حضور المجلس، ومشاركتهم بآرائهم في هذا الموضوع الحيوي .
شراهة الاستهلاك
قال راشد بن يعروف إن السبب الرئيسي وراء تفاقم مشكلة القروض الشخصية التي تفشت بين أبناء الوطن خاصة بين فئة الشباب من الجنسين، هو غياب ثقافة الادخار في الأسرة الإماراتية بشكل عام لتحتل مكانها ثقافة شراهة الاستهلاك، وقد أشارت الإحصاءات التي أطلعت عليها مؤخراً أن توزيع إنفاق الأسر المواطنة بلغ 30% على المأكل والمشرب، وبلغت 20% على الإيجار والسكن وبلغت نسبة تسديد الديون والقروض 20%، ووزعت نسبة 30% على شراء السيارات الملابس والزينة ومصروفات المدارس والجامعات والإنفاق على السفر والترفيه، والعلاج، وهذا يؤكد أن دخل الأسرة بالكامل يتم إنفاقه على الاستهلاك باختلاف أنواعه، ويجب علينا أن نعود أبناءنا على الادخار ونعمل على تنمية هذه الثقافة لديهم كما تعلمنا نحن من آبائنا وأجدادنا حيث كان كل بيت قديماً بالرغم من ضيق الحال يدخر أموالاً لوقت الحاجة .
وطالب البنك المركزي بتشديد الرقابة على البنوك للحد من منح القروض لغير مستحقيها وتأكيد وجود ضمانات كافية لدى المقترض لضمان سداد القرض، وإعادة النظر في العلاقة التي تنظم القروض الشخصية للمستهلك مع البنك بحيث لا تزيد هذه النسبة عن 25% من الدخل حتى لا تزيد من أعباء المقترض، كما يجب إعادة النظر في موضوع الحد الأقصى للاقتراض، وأن يرتبط هذا الحد بضمانات لا تعتمد على الراتب فقط لسداد القرض، وكذلك وجوب عمل قاعدة بيانات لدى البنك المركزي لكافة المقترضين يتم من خلالها إتاحة الفرصة للبنوك العاملة في الدولة للإطلاع على القدرة المالية للمقترض، ومعرفة إمكاناته في تحمل مسؤولية سداد القرض .
حب القائد لشعبه
وثمّن بن يعروف السويدي الإحساس العميق لقادة دولة الإمارات وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بكل ما يشغل المواطن من أحلام وطموح وهموم، ليتجلى الإحساس والحب بين القائد وشعبه بإنشاء صندوق برأسمال 10 مليارات درهم لدراسة ومعالجة قروض المواطنين من ذوي الدخل المحدود وإجراء تسويات للقروض الشخصية المستحقة عليهم، بالتنسيق مع المصرف المركزي والمصارف الدائنة في الدولة، وهي لفتة كريمة من سموه، لمسنا جميعاً أثرها الإيجابي على تحسين أوضاع ذوي الدخل المحدود، وساهمت في إنقاذ مستقبل المتعثرين .
ثقافة الادخار
وقال اللواء عبدالجليل العسماوي إن مشكلة القروض الشخصية والتعثر في سدادها ليست حكراً على دولة الإمارات، بل هي مشكلة عامة تعانيها أغلب دول العالم المتحضر، ولكننا في حاجة لتغيير النمط الاستهلاكي الذي بات ملمحاً أساسياً من ملامح الحياة لأبناء هذا الوطن، وهذا يجب أن يبدأ من الأسرة بترشيد الاستهلاك وتنمية ثقافة الادخار لدى أفرادها .
وقال الدكتور علي الشعيبي الخبير والمفكر الإعلامي إن نشر ثقافة الادخار الايجابي بين أفراد المجتمع أمر حيوي وضروري، ويجب أن يوجه الادخار للاستثمار الناجح في المشاريع الصغيرة والمتوسطة أو المتاجرة، وأنصح الشباب بضرورة التفكير ملياً قبل الخوض في تجربة القروض وما يصاحبها من مشاكل لن يستطيع الخروج منها، وعدم الوقوع فريسة سهلة لإغراءات البنوك،
قوانين لا تطبق
وفي مداخلة للدكتور محمد حمدان أكد أن البنك المركزي مطالب بتشديد الرقابة على البنوك ووضع القوانين المناسبة لتنظيم عملية الاقتراض بما يضمن حقوق البنك ويحمي المقترضين، خاصة وأن هناك قوانين موضوعة ولكنها لا تطبق، كما يجب على البنوك أن تعمل على دعم الاقتصاد الوطني وتوجيه القروض لتنفيذ المشاريع الاقتصادية وليس للنواحي الاستهلاكية، مشيراً إلى أن التسهيلات في الحصول على القروض جعلت الكثير يقبل عليها متجاهلين العواقب التي سيواجهونها عندما يحين موعد السداد، وأكثر من يواجه هذه المشكلة هم فئة الشباب وأصحاب الرواتب الضعيفة، في حين أنه يجب على المقترض دراسة وضعه المالي قبل الحصول على القرض لمعرفة هل بإمكانه سداد القرض في موعده أم لا، كما يجب على البنك المقرض دراسة حالات المقترضين قبل منح القرض .
وقال أحمد بن بطي بن بشر إن التغير الذي حصل في نوعية ونمط الحياة، وإصرار الشباب على الاستقلالية والسعي إلى فتح بيت مستقل للسكن بعد الزواج زاد من الحاجة إلى الاقتراض من أجل الحصول على المال لتوفير متطلبات الحياة العصرية الحديثة بكل ما فيها من كماليات وبذخ لا طائل منه سوى إنفاق الأموال، كما أن الاعتماد بشكل كبير على بطاقة الائتمان ساهم في ارتفاع نسبة الإقبال على الشراء وبذلك تتراكم الديون، وعندما يعجز المقترض عن السداد يلجأ إلى الاقتراض مرة أخرى لسداد القرض القديم، ويجب علينا جميعاً أن نعمل لتغيير هذا النمط الاستهلاكي من خلال تثقيف الشباب وتدريبهم على الادخار .
القرض الحسن
وقال محمد بن راشد السويدي إن القرض الحسن هو أفضل أنواع القروض لأنه بلا فوائد ويساعد الشباب على الزواج وتأسيس أسرة، ويساعد الأسر في العلاج ورسوم التعليم، والتغلب على المشكلات المادية التي تواجههم دون استغلال لظروفهم، وهذه النوعية من القرض تقدمه البنوك الإسلامية، ويمنح القرض بحد أقصى عشرين ألف درهم لحالات الزواج، وعشرة آلاف للحالات الأخرى كالعلاج وسداد الديون والرسوم الدراسية والحوادث والظروف الاجتماعية الأخرى التي تقدرها اللجنة ويشترط لمنح القرض أن يكون راتب طالب القرض والكفيل أو أحدهما محولاً على البنك .
وقال عبيد سلطان الشامسي إن القوانين المنظمة للاقتراض تحتاج إلى إعادة نظر، بحيث لا تزيد مدة القرض على عامين، وليس كما هو الحال حالياً مدة الاقتراض تصل إلى خمسة أعوام قابلة للزيادة مع إعادة الجدولة، كما يجب عدم فتح حساب للشخص الواحد في أكثر من بنك حتى لا تتم عملية الاقتراض من بنوك متعددة، ولابد من وجود قاعدة بيانات للمقترضين تبين قدرتهم المالية وتوضح مدى قدرتهم على السداد، وهذه البيانات تكون مرجعاً للبنك قبل موافقته على منح القرض، مؤكداً ضرورة تغيير بعض العادات والسلوكيات الاجتماعية السلبية التي تتعلق بالتباهي الاستهلاكي والتفاخر والبذخ، وعمل توعية بين أفراد المجتمع لتحفيز الشباب على الادخار والبعد عن المظاهر الخداعة التي تقود الشاب إلى الاستدانة والوقوع في شرك الاقتراض وبعدها المحاكم والسجون، وهذا مالا نريده لشبابنا الواعد لأنهم مستقبل هذا الوطن .
تنافس البنوك
ويقول على ناصر بالحبالة إن تنافس البنوك وتقديمهم عروضاً تنافسية للأشخاص منها قروض شخصية جديدة، أو زيادة في حجم القروض الشخصية القائمة أو تحويل القروض من مؤسسات مصرفية أخرى، وكذلك منح العملاء عطلات مجانية في بلدان العالم، هذه العروض التي يغري بها البنك عملاءه بتلبية احتياجاتهم المالية بسلاسة كبيرة، مع التمتع في الوقت نفسه بالمرونة في السداد، تجعل الكثير من الشباب يقع في حبائلهم ليجدوا أنفسهم متورطين في قضايا جنائية من جراء التعثر في السداد .
ولا شك أننا في حاجة ماسة لوضع الضوابط والمعايير التي تحول دون دخول المقترض في طريق مظلم بسبب قلة خبرته .
لذلك، فإنه يلزم على البنك المقرض أن يتحمل مسؤوليته وأن يتخذ الإجراءات الكافية لمعرفة مدى قدرة المقرض على السداد قبل الموافقة على منح القرض حماية للبنك والمواطن وأموال المودعين .
دراسات مكثفة
وقال عبدالله راشد السويدي إن الحد الأعلى للقرض الشخصي من أي بنك قيمته لا تتجاوز 20 ضعف الراتب ويتم تسديده على مدى 48 شهراً بحد أقصى، وباستقطاع شهري لا تتجاوز قيمته نصف قيمة الراتب . ولا يجوز منح قرض تكميلي ما لم يكن قد تم سداد القرض الأصلي بانتظام لفترة لا تقل عن سنة، مؤكداً أن نهج تطوير المنتجات والخدمات المصرفية في البنك الذي يعمل فيه يستند إلى دراسات مكثفة تستهدف فهم احتياجات الشرائح المختلفة لضمان تصميم منتجات وخدمات تتناسب مع متطلبات ونمط حياة أفراد المجتمع، ولا يقوم البنك بمنح قروض لتمويل المشروعات الشخصية من دون بيانات واضحة وكافية عن المشروع وضمانات كافية لتأكيد جدية غرض القرض مع وجود ضمانات كافية لدى المقترض حتى تتم الموافقة على منح القرض .
ويقول الدكتور عمر عبدالعزيز الحاي إن الشباب يجب أن يستفيد من المشاريع الشبابية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، هذه المشاريع فتحت آفاقاً كبيرة أمام أبناء الوطن لبناء مستقبل مشرق .
ويجب على كل شاب ألا يلجأ للاقتراض إلا إذا كان لضرورة، مشيراً إلى أن السبب الرئيس الذي يدفع بالبنوك إلى تقديم تسهيلات هو توافر السيولة وارتفاع الودائع وانخفاض أسعار الفائدة على هذه الودائع، ويقوم البنك بإقراض الأفراد بفوائد مرتفعة، محققا بذلك أرباحا طائلة .
وقال شريف فخري إن البنوك لن تكف عن منح القروض كما لم يكف المقترضون عن الحصول على قروض جديدة، والمهم في ظل المنافسة المحمومة بين البنوك على منح القروض الشخصية هو تفعيل دور الأجهزة الرقابية والتنظيمية في عمليات منح القروض كالبنك المركزي، وهيئة سوق المال خاصة في تمويل العقارات والأسهم، إلى جانب تعزيز الحوكمة والرقابة الداخلية ومفاهيم إدارة المخاطر في المؤسسات المالية .
ويقول سليمان محمد خليفة السويدي إن الأغلبية العظمى من المتعثرين تجدهم مدينين لأكثر من بنك، وهنا يأتي دور البنوك في عدم منح القرض إلا بضمانات كافية تسمح للمقترض بسداد القرض، وإذا كان القرض ضرورياً فلا بأس أن يوجه لشراء سكن أو مزرعة تدر دخلاً أو سيارة بعد أن أصبحت شيئاً أساسيا في حياتنا اليومية، ولكنها يجب ألا تكون باهظة الثمن وتتناسب مع دخل الفرد، مؤكداً أهمية نشر الوعي وترشيد الاستهلاك والتوعية بأهمية الادخار .
إحصاءات للمركزي
بحسب البنك المركزي فإن القروض الشخصية احتلت المرتبة الأولى من حيث حجم الائتمان الممنوح 31 .29% من إجمالي الائتمان المصرفي الممنوح لكافة الأنشطة الاقتصادية في الدولة بواقع 67 .328 مليار درهم بنهاية الربع الأول من عام 2014 بزيادة ربع سنوية بلغت نسبتها 94 .2% مقابل 3 .319 مليار درهم بنهاية عام 2013 ومقابل 6 .261 مليار درهم بنهاية 2012 حيث منحت البنوك قروضا استهلاكية وتجارية للأفراد بقيمة 37 .9 مليار درهم في الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالي فيما منحت البنوك قروضا استهلاكية وتجارية للأفراد خلال عام 2013 مكتملاً بقيمة نحو 7 .57 مليار درهم بنمو سنوي بنسبة 06 .22% .
توصيات
أوصى المشاركون في المجلس بما يلي:
– ضرورة ألا يتجاوز القسط25% من الدخل .
– ألا يكون هناك شراء للقروض من البنوك فيما بينها .
– ألا يكون للشخص أكثر من حساب وقرض في أكثر من بنك .
– دراسة قدرات المقترض المالية بالنظر إلى التزاماته .
– عدم منح القرض إلا بعد مرور عامين من فتح الحساب .
– تفعيل بطاقات الائتمان كبديل عن القروض الشخصية .
– ضرورة تقديم المقترض لبيان بالغرض المستخدم للقرض .
– في حالة قروض السيارات والبيوت يجب توافر 25% من القيمة الشرائية لهما .
– توفير قاعدة بيانات مركزية للمقترضين، وتقوية الجهاز الرقابي للمصرف المركزي .
– وجود ضمانات كافية وعدم وضع الراتب كضمان لهذا القرض .