تحليل ـ قصة صعود نجم أرابتك وأفوله
وافقت أرابتك العام الماضي على استئجار برج يرتفع 59 طابقا في أبوظبي، ليكون قاعدة لها تعمل انطلاقا منها على تنويع نشاطها ليمتد إلى قطاعات النفط والكهرباء والبنية التحتية والعقارات وتتسع لالاف العاملين الذي سينضمون للشركة مستقبلا بل ولشركائها في مشروعات المستقبل.
لكن الشكوك تكتنف الآن جانبا كبيرا من هذا التوسع المنشود ـ بحسب تحليل لـ “رويترز” ـ حيث أدى تدهور العلاقات بين رئيس أرابتك التنفيذي وإحدى الشركات الاستثمارية الكبرى التابعة للدولة إلى استقالته المفاجئة وانهيار قيمة أسهم الشركة الشهر الماضي. وبدأت أرابتك مراجعة خططها.
وأثرت مشاكل الشركة المقيدة في بورصة دبي على سوق الاسهم عموما وكان لها دور في محو 30 مليار دولار من القيمة السوقية خلال ثمانية أسابيع فحسب وأثارت علامات استفهام حول القواعد المنظمة للشركات وقواعد الإفصاح في دولة الامارات.
ويكشف الصعود الصاروخي والهبوط السريع لأرابتك ورئيسها التنفيذي السابق حسن اسميك عن بعض المخاطر التي تواجه قطاع الأعمال في الخليج وتتمثل في السرية التي تكتنف حملة الأسهم من مؤسسات الدولة وسلطة الإدارة التي تعتمد في جانب منها على العلاقات الشخصية.
وقال جيم كرين الخبير في شؤون الخليج لدى معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس في الولايات المتحدة “تشير ورطة أرابتك إلى نقاط ضعف هيكلية في بيئة الأعمال بالامارات والمنطقة بشكل أعم.”
وقال إن الأعمال في الامارات تتمتع بالتنافسية والحيوية لكنها مدفوعة بعلاقات شخصية غير شفافة وبالنفوذ السياسي.
وأضاف “متوقع من الشركات أن تلتزم بخيارات السياسات الأوسع للحكومة والأسرة الحاكمة وهذه الامور لا تعلن على الملأ عموما. فالكثير يحدث بعيدا عن أنظار الناس.”
وتأسست أرابتك في دبي قبل أربعة عقود على يدي رجل أعمال فلسطيني المولد واستفادت الشركة من الطفرة النفطية التي شهدتها المنطقة لتصبح واحدة من أكبر شركات البناء فيها. وساهمت الشركة في بناء برج خليفة في دبي أعلى ناطحة سحاب في العالم.
وبدأت الآفاق الجديدة تتفتح عام 2012 عندما رفعت شركة آبار للاستثمار التابعة لشركة الاستثمارات البترولية الدولية (ايبيك) المملوكة لحكومة أبوظبي حصتها في أرابتك لتتيح للشركة فعليا دعم الثروة النفطية الكبيرة التي تتمتع بها أبوظبي.
وعززت آبار نفوذها في إدارة أرابتك في عملية بلغت ذروتها في فبراير شباط 2013 باستقالة مؤسسها رياض كمال من منصب الرئيس التنفيذي وتعيين حسن اسميك رجل الأعمال الأردني الذي كان عمره 36 عاما فقط خلفا له.
وصعد نجم اسميك بسرعة. ويقول اسميك إنه ينتمي إلى أسرة ذات امكانيات متواضعة وإنه انتقل إلى دبي عام 1996 ليعمل وسيطا عقاريا وتألق نجمه بعد بضع سنوات عندما تولى ترتيب صفقة لمجموعة من المستثمرين تربطهم صلات بأصحاب الشأن في أبوظبي لشراء عدة مباني في دبي.
وبدأ يشتري أسهما في أرابتك وبحلول أغسطس اب عام 2012 وصل به الأمر أن أصبح عضوا غير تنفيذي في مجلس الادارة وهو مركز أتاح له في غضون بضعة أشهر أن يصبح رئيسا تنفيذيا للشركة.
ورأى المستثمرون في دعم آبار للشركة وسيلة لتحقيق الثروة فارتفع سهمها لأكثر من ثلاثة أمثاله في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام. وحقق ذلك لاسميك ثروة كبيرة وفي يونيو حزيران قالت مجلة فوربز إنه أصبح أول ملياردير أردني وثالث أصغر ملياردير في الشرق الأوسط.
وبدا أنه لا حد لفوائد وجود مستثمر كبير من مؤسسات الدولة بين حملة أسهم أرابتك. ففي فبراير شباط طلبت آبار من الشركة بناء 37 برجا جديدا في أبوظبي ودبي في صفقة بلغت قيمتها 6.1 مليار دولار أي ثلاثة أمثال ايرادات أرابتك الاجمالية عام 2013.
وفي مارس آذار وافقت أرابتك على صفقة أكثر إبهارا لبناء مليون وحدة سكنية في مصر في مشروع تدعمه الحكومتان المصرية والاماراتية تبلغ قيمته 40 مليار دولار. وأصبحت أرابتك في واقع الأمر أداة سياسية لحكومة أبوظبي في وقت أغدقت فيه الامارات مليارات من الدولارات على مصر بهدف منع عودة جماعة الاخوان المسلمين.
وحمل اسميك لواء تنويع نشاط الشركة فاستكشف فرص الاستحواذ وناقش علنا فكرة اطلاق سلسلة من الطروحات الأولية لأسهم وحدات تابعة لأرابتك في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وشملت خطط التوسع الخارجي فتح مكتب للشركة في صربيا لاستهداف دول البلقان.
وقال اسميك لرويترز في أواخر الاسبوع الماضي في أبوظبي “كانت تلك رؤيتي. أن أنقل أرابتك إلى المستوى العالمي.”
لكن القصة كانت تفوق حد التصديق في نظر كثير من مديري صناديق الاستثمار الذين شهدوا صعود سهم أرابتك متجاوزا بكثير تقديراتهم لقيمته العادلة في وقت سعى فيه المستثمرون الذين يحركون أموالا مقترضة في السوق لرفع سعره استجابة للتوقعات الصعودية. وأثبتت الأيام أن القصة كانت هكذا فعلا.
بدأت أسهم أرابتك تهوي في منتصف مايو ايار مع انتشار شائعات عن نزاع بين آبار واسميك ما أثار احتمال أن تفقد أرابتك دعم آبار وتضطر لخفض خططها التوسعية. وامتنعت آبار عن الإدلاء بأي تعليقات.
وتضخمت الشائعات في أوائل يونيو حزيران عندما أظهرت بيانات سوق الاوراق المالية أن آبار خفضت حصتها في أرابتك من 21.57 في المئة إلى 18.94 في المئة خلال عدة أيام.
وفي منتصف يونيو حزيران نفى اسميك علنا وجود أي خلاف مع آبار لكن الأمور كانت واضحة جليا. فبعد يومين قدم اسميك استقالته قائلا إنه يريد متابعة مصالح خاصة.
ومن منتصف مايو أيار حتى أدنى مستوى وصل إليه السهم في أوائل يوليو كان قد فقد 70 في المئة من قيمته. وكان الغموض الذي اكتنف مصير حصة اسميك نفسه في أرابتك من العوامل التي زادت من قلق المستثمرين.
ففي أواخر مايو ايار قالت أرابتك إن اسميك رفع حصته إلى 21.46 في المئة من 8.03 في المئة. ولم يفسر أحد متى حدث ذلك أو لماذا لم يتم الافصاح عنه من قبل لان قواعد البورصة تقتضي ضرورة الكشف على الفور عن أي تغييرات في الحصص بما يتجاوز خمسة في المئة. وفي منتصف يونيو حزيران عندما استقال اسميك أظهرت بيانات البورصة أن حصته ارتفعت إلى 28.85 في المئة.
ويقول اسميك إنه اشترى الأسهم في البداية بعدة أسماء وهو أمر لا يخالف القانون في الامارات وإن بيانات البورصة أظهرت أن حصته قفزت عندما قرر المسؤولون عن تنظيم سوق المال توحيد الحصص باسم واحد.
ويقول اسميك إنه تلقى عدة عروض لحصته من أطراف امتنع عن تحديدها. لكنه يصر على أنه لا يتعجل البيع وإنه قد لا يفكر في البيع إلا بأسعار تزيد 50 في المئة أو أكثر عن سعر السوق الحالي.
ولكن ما الخطأ الذي حدث؟ فأرابتك واسميك على حد سواء يقولان إن فترة رئاسته للشركة كانت مثمرة وإن قراره ترك منصبه كان قرارا شخصيا. أما آبار فامتنعت عن التعليق. لكن مصادر بالشركة تقول إن عددا من كبار المسؤولين التنفيذيين المرتبطين باسميك رحلوا عن الشركة منذ استقالته فيما يشير إلى أن آبار تريد تغيير أسلوب الإدارة.
وتقول إحدى النظريات التي يتداولها كثيرون يعرفون أرابتك إن اسميك حاز من الشهرة والتألق ما لم يتحمله الداعمون الماليون للشركة في مجتمع يعمد فيه كثير من أقوى رجال الاعمال للابتعاد عن أضواء الشهرة. وربما أسهم ما نشرته مجلة فوربز عن قصة نجاح اسميك في سقوطه.
وقال رجل أعمال في أبوظبي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية قصة أرابتك عن الدعاية التي أحاطت باسميك “هو أعطى الناس الرصاصة التي أصابوه بها.”
ويتداول الناس نظرية أخرى على نطاق واسع تقول إن استثمارات اسميك في أرابتك التي بلغت في ذروة السوق 2.7 مليار دولار تمت لحساب آخرين وهو أمر شائع في الخليج ثم صارت مصدرا للاحتكاك معهم.
ويقول اسميك إنه استثمر أمواله الخاصة في أرابتك واقترض من بنوك تربطه بها صلات وثيقة، وربما يشفي الزمن الجروح التي خلفتها قصة أرابتك في الشركة وفي سوق الاسهم. فقد عقد خادم عبدالله القبيسي رئيس مجلس إدارة أرابتك مؤتمرا صحفيا في أوائل الشهر الجاري للمرة الأولى منذ رحيل اسميك ليقول إن مشروعات البناء التي تعاقدت عليها الشركة مازالت قائمة وإن آبار مستمرة في دعمها.
وربما تعزز آبار سيطرتها على أرابتك. فقد تولى عضو بمجلس إدارة ايبيك هو محمد الفهيم منصب القائم بأعمال الرئيس التنفيذي. وفي الأيام الأخيرة شهدت أسهم أرابتك انتعاشا جزئيا رغم أنها مازالت أقل بنسبة 46 في المئة من الذروة التي بلغتها.
غير أنه يبدو من المرجح أن تتوخى أرابتك قدرا أكبر من الحذر والحرص عما كانت عليه الحال في ظل إدارة اسميك. وقال القبيسي إن الشركة تعمل الآن على خفض التكاليف وتراجع المرتبات الكبيرة وتشدد بدرجة أقل على خطط تنويع النشاط التي نادى بها اسميك.
وقال القبيسي إن الشركة تراجع أمورا كثيرة وإنها تعيد هيكلة نفسها لتركز على أنشطة البناء الأساسية.
وعلى وجه الخصوص ربما تعمد أرابتك لاسناد المزيد من مشروعاتها الجديدة لشركات أخرى بدلا من أن تكبل نفسها بأعباء تنفيذ هذه التعاقدات الأمر الذي قد يكون مكلفا ومعوقا.
ويعتقد محللون أن الشركة التي قالت في وقت سابق من العام الحالي إن عدد العاملين فيها بلغ نحو 63 ألفا ستحتاج لتوظيف الالاف من الموظفين الاداريين لإدارة صفقات عملاقة مثل مشروع الاسكان المصري.
وربما يكون مستقبل اسميك أكثر تواضعا، فهو يقول إنه لا يشعر بالمرارة بسبب تجربته بشركة أرابتك وإنه يعتزم البقاء في الامارات مركزا على شركة الاستثمار الخاص التي يملكها في أبوظبي (اتش.ايه.ام.جي) والتي لها اهتمامات في مجالات من العقار إلى الفنادق، وقال اسميك “أنا اؤمن بالله وسأنتصر.”