مليارديرات أميركا يطوّعون السياسة لتحقيق رغباتهم
للجمهوريين أثرياء.. كما للديموقراطيين.. شبكات دعم من كل حدب وصوب، وكل شيء بثمن. حتى تبدو السياسة الأميركية في بعض الأحيان أشبه بصراع بين «الأوليغارشية». بحسب جريدة القبس
يؤكد الخبير داريل ويث في العلوم السياسية في معهد بروكينغز في كتاب جديد أن المليارديرات يشكلون السياسة الأميركية بصورة تفوق تصورنا. وكيف لا وهم من يمول الحملات الانتخابية، ويدعمون قوى ضغط في مجلس الشيوخ، والمحافل السياسية الأخرى على أنواعها.
كما يدعم الأثرياء حركات سياسية خادعة لخلق تصور زائف بوجود دعم كبير لقضاياهم المفضلة، وتنطوي تلك القضايا في بعض الأحيان على مزايا ومصالح اقتصادية. وما حملات إباحة القمار على الانترنت وإباحة حيازة السلاح إلا بعض تلك الأوجه.
بدأ الأخوان كوتش، اللذان يتحدثان بصوت مسموع في مجموعة من قضايا الحزب الجمهوري، يتناولان مؤخرا شيئا مختلفا. اذ تبث شركة «كوتش انداستريز» العملاقة للطاقة ومقرها كانساس، اعلانات تهدف الى حماية صورة الشركة، التي ربما تعرضت للضرر من جهود الديموقراطيين، لاسيما زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد، لتلطيخ اسم العائلة.
وبدأ الجهوريون، متأخرين، في تسليط الضوء على شبكة الداعمين للديموقراطيين من الأثرياء المتنفذين، المرتبطين بجماعة من المانحين تسمى «تحالف الديموقراطية». مما جعل السياسة الأميركية تبدو في بعض الأحيان أشبه بصراع بين الأوليغارشية.
يؤكد داريل ويست، الخبير في العلوم السياسية في معهد بروكينغز، في كتاب جديـد من تأليفه بأن هذا بالضبط ما هو حاصل. وكتب ويســت في كتــابه: Billionaires: Reflections on the Upper Crust، يقول ان المليارديرات يشكلون السياسة الأميركية بصورة تفوق تصورنا (على الرغم من أنه يفترض في بعض الأحيان، على خطأ، أن الجمهوريين هم الحزب الذي يتمتع بالامتيازات وأن الحزب الديموقراطي هو الحزب الذي يقف في وجه تلك لامتيازات».
ووفق وجهة نظره، فان نهج الأخوين كوتش تتم «محاكاته» من قبل جهات المتبرعين والمانحة التي تميل لليسار من قبيل مدير صناديق التحوط توم ستاير (الداعم لهذه الدورة الانتخابية من خلال تمويله حملة لدعم قضايا بيئية في عدة ولايات) والمتمول جورج سوروس.
ويركز جميع المحللين، تقريبا، الذي يتناولون تأثير الأثرياء في السياسة في تمويل الحملات الانتخابية، ولم يكن ويست استثناء في كتابه. لكنه يقدم أيضا صورة للأساليب التي يستخدمها الأثرياء ولا يتم الانتباه اليها كثيرا، لتشكيل السياسة. أحدها اقامة علاقات صداقة مع أعضاء مجلس الشيوخ الذين لديهم بعض الامتيازات. ويشير ويست الى بيل أكمان، مدير صناديق التحوط الناشط الذي كان كوّن مراكز على المكشوف في شركة التغذية Herbalife وكان مقربا من السيناتور الديموقراطي ادوارد ماركي عن ماساشوسيتس. وكما كتبت صحيفة نيويورك تايمز في الربيع الماضي، وجه ماركي عدة رسائل الى لجنة الأوراق المالية والبورصة والى لجنة التجارة الفدرالية، مطالبا باجراء تحقيق رسمي في Herbalife، الأمر الذي تسبب في فقدان الشركة لما نسبته %14 من قيمتها.
ولعل أسهل موقع يمكن مليارديرات أميركا من تحقيق رغباتهم، ليس في الحكومة الوطنية للولايات، بل على مستوى الدولة. فمع تحول مسؤوليات الحكم الى واشنطن على مدى العقود الزمنية المختلفة، فرغت القوى المحلية من صلاحياتها ونفوذها. ويتم كذلك اغراقها بالمال، حيث يقوم كبار المانحين والمتبرعين بتأسيس حركات سياسية خادعة، وخلق تصور زائف بوجود دعم كبير لقضاياهم المفضلة. وتنطوي تلك القضايا في بعض الأحيان على مزايا ومصالح اقتصادية.
اذ شن قطب ألعاب القمار شيلدون أديلسون حملة ضد تقنين وإباحة المقامرة عبر الانترنت، وهو ما من شأنه (في حال اباحتها) أن يضر بأعماله في المنتجعات التي يملكها. بينما سعى ستيفن روس، مالك نادي دولفينز أميركان لكرة القدم، لاجراء استفتاء شعبي يهدف الى الموافقة على استخدام مئات الملايين من الأموال العامة لاصلاح ملعب فريقه.
لكن القضايا الاجتماعية هي أكثر القضايا التي يتفق عليها الأثرياء، والتي حققوا من خلالها أكبر نجاح لهم في تغيير المشهد السياسي، ومنها زواج المثليين والهجرة والأسلحة النارية والماريجوانا. فالأثرياء يهتمون أكثر بحق الاختيار (لأنهم يستطيعون عمل الكثير من خلاله)، ولا يهتمون كثيرا بالنظام (لأنهم يمكن أن يدفعوا ثمنه بأنفسهم). وفي بعض تلك القضايا يكون هناك اجماع في الرأي عليها تقريبا في ما بينهم.
بول سنغر، مدير صناديق التحوط، على سبيل المثال، ينظر اليه على أنه من المتبرعين والمانحين للحزب الجمهوري، لكن وعلى مدى سنوات، كان اباحة زواج المثليين على رأس أولويات سياساته، وهي القضية التي يسعى اليها أيضا الحزب الديموقراطي. فعندما وصل قانون ولاية كاليفورنيا، الذي يحظر زواج المثليين، الى المحكمة العليا في الولايات المتحدة في 2013، كان يعارضه كل من بيل غيتس، رئيس مايكروسوفت وجيف بيزوس، رئيس أمازون والبيت الأبيض، وشركتي أبل وغوغل.
الهجرة الجماعية من القضايا التي يرغب الكثير من المليارديرات تنظيمها، وقليلون هم من يرغب في وقفها والحد منها. أما الأسلحة النارية فيبدو أنها مكروهة بشدة بين المانحين الأثرياء في أميركا، وأكثرهم على الاطلاق مايكل بلومبيرغ.
بيتر لويس، رئيس مجلس ادارة احدى شركات التأمين، الذي توفي العام الماضي، قام بجهد كبير لاباحة الماريجوانا قانونيا في بعض الولايات الأميركية بعد استخدامها كمسكن للألم.
جميع المليارديرات تقريبا الناشطين في هذه المجالات يسعون الى دفع الرأي العام بعيدا عن الآراء التقليدية والمحافظة. وغالبا ما يكون الحزب الديموقراطي هو ما تلمع أعين أصحاب الثروات الفاحشة عليه. ويقول ويست ان مؤسسة كارل روف، المساعد السابق للرئيس جورج دبليو بوش، «خصصت 300 مليون دولار للاطاحة بأوباما». طريقة روف لتحقيق ذلك تمثلت في تطهير الحزب الجمهوري من المرشحين المحافظين الأقل امكانية للفوز في الانتخاب.
وهناك أمران يجعلان من زماننا هذا حقبة المال الوفير في السياسة. أحدهما عدم المساواة (الذي يتحمل الجمهوريون الملامة فيه الى حد كبير وعن حق). أما الأمر الثاني فهو المركزية (وينظر اليها على أنها خطأ يتحمله الديموقراطيون)،
معظم العلاجات المقترحة ستقلص تمويل الحملات الانتخابية، وتفاقم المشكلة. فكلا الحزبين وببساطة يخدمان الأثرياء بطرق مختلفة: فالجمهوريون عبارة عن جيش من الأثرياء ومن يحاكونهم. والديموقراطيون عبارة عن جيش من الأثرياء واتباعهم. ومن يبحث عن «حزب المليارديرات» فمن غير المرجح أن يجده.