انتعاش الإسهم الإماراتية يزيد تخوفات أصحاب العمل من تراجع إنتاجية العاملين
دفع انتعاش أسواق الأسهم المحلية وعودة نشاط المستثمرين، آلاف الأفراد إلى العودة لتداول الأسهم بعد انقطاع دام لفترة طويلة في أعقاب الركود الذي شهدته الأسواق بسبب الأزمة المالية العالمية في أواخر العام 2008، أملا في تحقيق مكاسب سريعة أو تعويض خسائر للمتداولين السابقين.ومع تزايد الاهتمام بالأسهم خلال الأشهر الماضية نتيجة الارتفاعات القوية للأسواق وما تخللها من عمليات تصحيح قاسية تآكلت مع مكاسب البعض وفتحت فرصاً لدخول آخرين، تحول هذا الاهتمام من مجرد متابعة بين الحين والآخر إلى هوس يومي يسيطر على عقول الأفراد، وخاصة من شريحة الموظفين المضاربين الساعين لتحقيق أرباح سريعة أو اقتناص فرص لتعويض خسائر سابقة، الأمر الذي أثار قلق العديد من أصحاب الشركات والمدراء خوفاً من تهديد الهوس الجديد بالأسهم لإنتاجية الموظفين.بحسب جريدة الاتحاد
ووفقاً لمدراء في بعض الدوائر العامة وأصحاب شركات خاصة، زادت حمى الاهتمام بالأسهم بالنسبة للموظفين بداية العام بعد الارتفاعات القياسية لمؤشرات الأسواق المحلية في العام الماضي، وعودة تداول قصص الثراء التي حققها البعض نتيجة هذه الارتفاعات، مما شجعهم على مراقبة أداء الأسواق والتداول للفوز بجزء من كعكة المكاسب الكبيرة للأسهم، ومن ثم تحول الاهتمام بالأسهم إلى هوس يومي يدفعهم لمراقبة تحركات الأسهم منذ بداية عمل الأسواق وحتى الإغلاق، وهي الفترة التي تستغرق 4 ساعات في أيام التداول، بعد أن سيطرت على عقولهم حمى المضاربة، الأمر الذي بدأ يؤثر في إنتاجيتهم وأدائهم اليومي.
ويشير مدير فروع بأحد البنوك العاملة في الدولة إلى أن الاهتمام بمتابعة أسواق الأسهم بدا ملحوظاً لدى شريحة كبيرة من الموظفين في البنك خلال الأشهر الماضية من خلال الحوارات الكثيرة بيهم حول المكاسب والخسائر، مما دفعه لتوجيه قسم التقنية لمراقبة المواقع التي يدخل إليها الموظفون خلال الدوام بعيدا عن أنظمة البنك والتي أظهرت تصدر أسواق المال لها، الأمر الذي دفع الإدارة إلى اتخاذ قرار بحظر الدخول لهذه المواقع حرصا على تركيز الموظفين وعدم تشتيت تركيزهم خاصة وأن العمل في البنوك يتطلب قدرا كبيرا من التركيز والدقة.
وتظهر بيانات لسوق دبي المالي ارتفاعاً قوياً في عدد زوار موقع السوق خلال الربع الثاني من هذا العام مقداره 104% بعد أن بلغ عدد الزوار في الفترة من أبريل وحتى نهاية يونيو الماضي نحو 7,189 مليون زائر مقارنة مع 3,524 مليون زائر للفترة ذاتها من العام الماضي.
ودفع هذا الهوس الذي بات ملحوظاً من خلال حديث الموظفين فيما بينها عن مكاسب وخسائر الأسواق، المدراء وأصحاب الشركات لمراقبة أداء الموظفين ليتبين أن شريحة منهم تحرص على متابعة مواقع الأسواق خلال الدوام وتقوم بعمليات بيع وشراء عبر استخدام أجهزة الهاتف المتحرك، مما دفع الكثير من الشركات لحظر الدخول إلى مواقع الأسواق خلال العمل وتثبيت كاميرات لمراقبة الموظفين.
ورغم ذلك يرى هؤلاء أن هذه الإجراءات لا يمكن أن تعالج وحدها الهوس المتنامي بالأسهم في ظل وفرة الأدوات والتطبيقات التي تتيح للأفراد سهولة متابعة الأسهم والتداول والمتاحة عبر أجهزة الهاتف المتحرك.
ولا يخشى أصحاب الشركات تأثير هذا الهوس على إنتاجية موظفيهم فحسب بل يخشون كذلك المخاطر التي قد يتعرض لها الموظفون في حال الخسائر التي يتعرضون لها جراء تذبذبات الأسواق والتي قد تدفعهم للحصول على قروض ومن ثم يدخلون دوامة الديون وتتعرض حياتهم الوظيفية للخطر.
بدوره يحذر الدكتور على الحرجان، أستاذ الطب النفسي في الشارقة، من هوس المضاربة في أسواق الأسهم وتأثير ذلك على إنتاجية الأفراد في المجتمع سواء كانوا موظفين أو غير موظفين، عندما يتحول هذا الهوس إلى إدمان يومي يمكن أن يدمر هذا الشخص نفسيا نتيجة حالة التوتر والقلق والإحباط في حالة الخسارة والاندفاع والتهور في نحو الاقتراض لتعويض الخسائر أو تعظيم المكاسب ومن ثم الدخول في دوامة الديون.
ويلفت الحرجان إلى أن انتشار قصص الثراء السريع لأشخاص يتداولون في الأسهم قد تدفع البسطاء والذين ليس لديهم دراية بقواعد الأسواق للتجربة والدخول للأسواق بغرض تحقيق مكاسب سريعة لكنهم في كثير من الأحيان يقعون فريسه لـ “حيتان” الأسواق الذين يعرفون قواعد الأسواق ولديهم القدرة على التحليل بناء نقاط للدخول والخروج في الوقت الذي يرونه مناسباً.
ويشير الحرجان إلى أنه على الرغم من أهمية وفوائد أسواق الأسهم بالنسبة للاقتصاد كأداة استثمار مهمة لتدوير المدخرات والسيولة، إلا أنها في ذات الوقت سلاح ذو حدين، خاصة بالنسبة للمضاربين وليس للمستثمرين الذين يبنون قراراتهم على أسس عقلانية ومنطقية.
ويؤكد أن هوس المضاربة في أسواق الأسهم يحمل معه العديد من المخاطر النفسية والاجتماعية للأفراد، مما قد يهدد مستقبلهم خاصة مع تعرضهم لضغوط الحصول على قروض أو رهن ممتلكات بما يدفعهم لانتهاج سلوكيات غير قانونية في بعض الأحيان من أجل تهيئة الأموال للمضاربة، مشيرا إلى أن أسواق الأسهم عادة ما تمر بدورات من الهبوط والارتفاع وفقاعات متكررة بين فترة وأخرى ينتج عنها تعرض العديد من الأفراد إلى اضطرابات نفسية وذهنية وغيرها من المشاكل الاجتماعية التي تؤثر على الأسرة والمجتمع.