الأرجنتين على حافة الإفلاس .. الدولة الثانية في أمريكا الجنوبية
الأرجنتين على حافة الإفلاس من جديد . الدولة الثانية في أمريكا الجنوبية بعد البرازيل من نحو 42 مليوناً تعداد سكانها وباقتصاد زهاء 400 مليون دولار أمريكي، بات تصنيفها من الوكالات الدولية على شفا التوقف عن الدفع . منذ أزمة 2001 حققت الأرجنتين معدلات نمو جيدة وتراجع دينها العام الى نحو 42 في المئة من ناتجها المحلي بعد ان كان تجاوز المئة في المئة بكثير في الأزمة السابقة، قبل أن تعود لتتأثر نتيجة الأزمة المالية العالمية . بحسب جريدة الخليج
الأرجنتين قادرة على سداد فوائد ديونها لدائنيها الذين ارتضوا جدولة الديون في 2002 . أين المشكلة؟ فقط أقل من 2 في المئة من الدائنين الذين رفضوا تسوية الجدولة في حينه يصرون على سداد دينهم كاملا بعد استحقاقه المقدر مع فوائده بنحو 105 مليارت دولار أمريكي . وهذه الفئة من الدائنين هي صندوقا التحوط أوريليوس وإن إم إل للمضاربة في الأسواق . وقد حصلا على حكم لمصلحتهما من محكمة في نيويورك . وأغلبية أسهم الشركة الثانية مملوكة للملياردير بول سينغر من الحزب الجمهوري الأمريكي . وإذ نفذت الحكومة الأرجنتينية تعهدها بسداد فوائد ديونها للأغلبية الساحقة من دائنيها وحولت 593 مليون دولار أمريكي إلى أحد المصارف النيويوركية، تم احتجاز المبلغ بموجب القرار القضائي إلى حين سداد دين صندوقي التحوط . فباتت الأرجنتين عاجزة عن سداد التزاماتها لكل دائنيها .
صناديق التحوط هذه، التي كانت مجلبة لأكبر أزمة مالية واقتصادية عالمية منذ 1929 من القرن الماضي جراء المضاربات على الرهون العقارية في الولايات المتحدة، عادت لتضرب من جديد بلداً كبيرًا في القارة الأمريكية . اصطادت جزءاً من ديون الأرجنتين من السوق الثانوية بالسعر البخس أيام أزمة 2001 . أي من حاملي سندات الدين الأرجنتينية الذين هرعوا مذعورين إلى التخلص منها كيفما كان . وانتظرت إلى حين تحسن اقتصاد الدولة المدينة لتحصل على أصل الدين وفوائده بأسعار السوق . وقد رفض الصندوقان شمولهما بالتسوية التي تمت مع أغلبية الدائنين بين 2005 – 2010 وقضت بإعفاء الحكومة الأرجنتينية من 70 في المئة من الديون . وتلك السندات تبقى التزاماً على الدولة المصدرة تستحق أصلاً وفائدة بصرف الاعتبار عن الدولة المصدرة . وسيان إذا تم شراؤها من السوق الأولية مباشرة أو من السوق الثانوية . المعلومات الأخيرة ربما قد تؤدي إلى حلحلة الأزمة . ومن المفارقات غير المفاجئة في أي حال، ان جي بي مورغان الأمريكية، وهي واحدة من أكبر المؤسسات الاستثمارية في مجال التحوط في العالم عرضت في عطلة نهاية الأسبوع شراء حصة صندوقي التحوط في عملية اصطياد أخرى من صندوق الى آخر . والأرجح، أن جي بي مورغان ستشتري الحصة في حال إتمام الصفقة بنجاح، بسعر يقل عن 105 مليارات دولار أمريكي . ليصبح زبوناً آخر دائنا للحكومة الأرجنتينية في عملية تركيب ديون وذمم مفتوحة .
لم ينفع تأكيد رئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر أن بلادها ليست في وضع تخلف عن السداد . “فخيار التخلف عن السداد غير موجود” كما قالت لوسائل الإعلام، لأن التخلف يعني عدم السداد . وهذا الوضع لا ينطبق على الأرجنتين . ولدينا رغبة في الحوار . لكن يجب أن ندافع عن حقوقنا ومصالح بلادنا، لأن العالم يجب أن يكبح الصناديق الانتهازية والمصارف الجشعة التي تريد الإثراء على حساب بلادنا” . رئيس الحكومة الأرجنتينية خورخي كابيتانيش الذي اتهم القضاء الامريكي بالتحيز، تساءل “إذا كان القاضي موظفاً لدى صناديق المضاربات، والوسيط القضائي موظفاً لديها، فعن أي قضاء نتحدث إذاً”؟ واعتبر القضية “مسؤولية الولايات المتحدة التي يتعين عليها ضمان احترام سيادة الدول من دون قيود” . خفض وكالات التصنيف الائتماني درجة الارجنتين إلى مستوى التوقف عن الدفع، ورؤيتها المستقبلية لهذه الدولة إلى درجة “غير مستقرة”، سيكبل قدراتها على النفاذ إلى أسواق المال الدولية للاقتراض . وسيرفع من تكلفة الفوائد إلى مستويات تفوق قدرتها على تحملها . وكلما تأخرت التسوية، ارتفعت هوامش الفائدة التي تعتبرها الأسواق علاوة مخاطر ائتمانية سيادية . وعلى الأرجح، ستواجه الرسالة التي بعث بها إلى الكونغرس الأمريكي مئة من الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين بآذان صماّء . وقد حذرت الرسالة من نتائج توقف الأرجنتين عن الدفع على الاقتصاد الأمريكي واقتصادات جاراتها جنوباً، ومضر بالنظام المالي الدولي .
فيروس صناديق التحوط والمضاربة عاد ليضرب من جديد في خاصرة الولايات المتحدة الجنوبية . تريليونات الدولارات الأمريكية قيمة أصول تلك المؤسسات المالية والصناديق مع حجم العمليات التي تديرها حول العالم بأساليب غير أخلاقية . “العقول المستنيرة لا تعمل بقلوب رحيمة” على ما قال يوماً الاقتصادي الأمريكي المشهور بول صمويلسون حائز جائزة نوبل في الاقتصاد . لم يمض وقت طويل على أزمة 2008 . ولا الدروس المستخلصة من تلك الأزمة يبنى عليها . للتذكير فقط، أزمة الأرجنتين في بداية الألفية الثالثة جاءت على خلفية أزمة البرازيل . وبعدها المكسيك . لا أحد من سدنة هذا النظام الاقتصادي يريد الاعتراف بأنه بات يستولد الأزمات كل عقد من الزمن . وبأن في كنفه المظلم يختبئ الكثير من الحروب والمآسي في عالمنا .