الاخبار الاقتصادية

العولمة مهدَّدة في ظل تصاعد وتيرة الاضطرابات في العالم

3248662

 

تشكل الاضطرابات الجيوسياسية التي شهدها العالم في الأسابيع الماضية مستوى جديدا من التهديد للبنية التحتية للعولمة. وباتت الصراعات الفعلية والمحتملة في أوكرانيا والشرق الأوسط وفي أماكن أخرى من العالم تمثل خطرا حقيقيا على الانتعاش الاقتصادي.كما شكل اسقاط طائرة الخطوط الماليزية في يوليو الماضي مثالا صارخا على أن العولمة في تراجع قسري. ولا يمكن أن تكون هناك اشارة أكثر وضوحا على تعرض التجارة العالمية للهجوم من أن تكون حركة النقل الجوي المدنية نفسها عرضة للخطر.بحسب جريدة القبس

تدفع زيادة العقوبات الاقتصادية في أعقاب الخطوات التي اتخذتها موسكو في أوكرانيا روسيا باتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي أكثر فأكثر. وفي الوقت الراهن، يؤدي ضعف رد الفعل الأميركي على هذه التحديات الى اضعاف الاستقرار والقدرة على التنبؤ اللذين يشكلان أساس الترابط الاقتصادي. واذا ما تضاءلت الثقة في البنية التحتية للعولمة، فان التدفق الحر لرؤوس الأموال والبضائع والخدمات بين الحدود سوف يضعف ويتدهور.

وتأتي هذه الخلافات الجيوسياسية على خلفية التراجع والتقهقر باتجاه حالة من ضيق الأفق عجلت في بروزها وظهورها الأزمة المالية. اذ أظهر انهيار ليمان براذرز عدم وجود آلية عابرة للحدود لتفكيك، أو حل، المؤسسات المالية العالمية. ورغم الجهود الرامية لتعزيز القواعد التنظيمية العالمية، الا أن ما حدث في الواقع هو أن الحكومات الوطنية سارعت الى حماية بنوكها المحلية.

وفي منطقة اليورو أصبح النظام المصرفي مجزأ على نحو متزايد. والآمال بالتحرك باتجاه اتحاد مصرفي كامل تلاشت منذ فترة طويلة، مع استمرار ادارة حل البنوك على مستوى محلي وطني بدلا من أن يكون اقليميا وعالميا. وتنعكس حالة ضيق الأفق الجديدة السائدة في الطريقة التي شجعت من خلالها الحكومات الأوروبية المصارف لديها على تقليص ميزانياتها العمومية، وفي الوقت ذاته الطلب منها أن تقدم مزيدا من القروض للشركات والمشروعات الصغيرة. ويزداد النقاش حول السياسات في أنحاء العالم بخصوص فرض ضوابط على تدفقات رؤوس الأموال.

وبالنسبة للتجارة والاستثمارات، فرضت الأزمة المالية على الكثير من الشركات والمؤسسات عملية اعادة تفكير في أعمالها. اذ يرى العديد من الشركات أن سلاسل التوريد خاصتها كان مبالغا في توسعها وامتدادها وقررت العودة الى أسواقها المحلية. كما تشجع الخلافات الاقليمية على اعادة التفكير في موقع الاستثمار، لاسيما في ضوء الهجوم الذي تعرضت له الشركات اليابانية في الصين والعداء الذي تظهره الجهات التنظيمية تجاه الشركات الأجنبية بشكل عام.

سؤال واحد بالنسبة للعولمة يتمثل في ماذا كان هناك نقطة تحول ستتآكل عندها الثقة وتؤدي الى امتناع الناس عن السفر ومقاطعة المحلات التجارية وعدم الاستثمار في مصنع وآلات جديدة، وهذا الأمر الأخير حيوي ومهم للحفاظ على الانتعاش الاقتصادي. واذا حصل هذا الأمر فان النتيجة ستكون، وبالمصطلحات الاقتصادية، سلسلة من الصدمات السلبية في ما يتعلق بالطلب. والاقتصاد العالمي في وضع سيئ أصلا تضعف قدرته على التكيف مع هكذا أمر.

الأمر الآخر يتعلق بالدعم السياسي للعولمة. ففي فترة مزدهرة في القرن التاسع عشر والفترة التي سبقت أزمة الائتمان في 2007، دعمت القوى المهيمنة وتحديدا بريطانيا والولايات المتحدة التجارة الحرة. لكن في عالم اليوم المتعدد الأقطاب، تعاني الولايات المتحدة من تمددها وتوسعها المفرط بعد مغامراتها في العراق وأفغانستان وبات الأميركيون لايرغبون في وجود سياسة خارجية تتدخل في شؤون الآخرين. وفي حين أن الأحداث في العراق دفعت الرئيس باراك أوباما الى اتخاذ اجراء ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، الا أن تركيزه لا يزال مستمرا على اعادة القوات الأميركية والتقليل من التورط الخارجي وبناء الأمة في الداخل. ورغم أنه أمر يمكن تفهمه، فانه يقود الى حالة من عدم اليقين التي قد تضخم ثمن الصراع الاقليمي وفاتورته.

الدرس الذي يجب أن يتعلمه غير الأميركيين خصوصا الأوروبيين واضح وهو أن الركوب المجاني على الميزانية العسكرية الأميركية لم يعد أمرا مسلما به بعد الآن. وعلى أوروبا أن تخصص المزيد من مواردها الخاصة للتعامل مع روسيا الجديدة الأكثر صرامة، اضافة الى ضرورة ايجاد حل للاعتماد المغالى فيه على الطاقة الروسية. وسيتعين على صانعي السياسات أن يواجهوا هذه التحديات وهم في موقف يعانون فيه أصلا من ارتفاع في معدلات الدين العام.

الدرس الأكبر، بحسب مايكل سبينس، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، هو أن التهديدات الرئيسية الحالية التي يواجهها الازدهار، والتي تحتاج الى تعاون عالمي فعال وعاجل، تمثل في الآثار الجانبية للتوترات والصراعات الاقليمية والتنافس على مناطق النفوذ. وكما يضيف فان العائق الأقوى أمام النمو يتمثل في فقدان الثقة في الأنظمة التي جعلت من زيادة الترابط العالمي أمرا ممكنا. وما من شك بأن الأحداث الجيوسياسية، تدفعنا، على أقل تقدير، الى منطقة اقتصادية خطرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى