أسعار النفط وسياسات الصرف الأجنبى: الآثار على المستهلكين والمنتجين
يبدو أن الهبوط الحاد لأسعار النفط نعمة للبلدان الرئيسية المستهلكة للخام فى وقت تجددت فيه المخاوف بشأن النمو الاقتصادى، لكنه قد يكون نقمة للبلدان المنتجة للنفط. ومع ذلك فإن آثار تراجع أسعار النفط تختلف اختلافا كبيرا من بلد لآخر، ويتوقف ذلك إلى حد كبير على ما تتبعه من سياسات الصرف الأجنبى. فالهبوط الحاد فى قيمة العملة الروسية الروبل ساعد الكرملين على التخفيف من آثار انخفاض أسعار النفط، وأتاح للسلطات الاستمرار فى الإنفاق المحلى المرتفع، غير أن موسكو ستضطر إلى أن تقلص بشدة وارداتها المرتفعة التكاليف على نحو متزايد. والوضع مماثل فى إيران وفنزويلا مع أن تقييم أثر الصرف الأجنبى أصعب لأن عملتى البلدين لا تتسمان بحرية التداول، وقالت مصادر إيرانية لرويترز الأسبوع الماضى إن إيران يمكنها تحمُّل آثار انخفاض أسعار النفط لأن صعود الدولار مفيد لها. وقالت وكالة الطاقة الدولية فى تقرير لها الأسبوع الماضى “فى البلدان التى لا تكون عملتها مربوطة بالدولار الأمريكى ساعدت التقلبات فى أسعار الصرف الأجنبى على إبطال جانب من أثر التراجعات الأخيرة لأسعار النفط، وهكذا فإن الإيرادات الاسمية لصادرات روسيا بالروبل زادت فى الآونة الأخيرة على الرغم من هبوط قيمتها بالدولار.” وعلى النقيض من ذلك البلدان الأعضاء فى منظمة أوبك من دول الخليج مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة التى ترتبط عملاتها بالدولار، فإنها شهدت أكبر هبوط فى الإيرادات بالعملات المحلية من جراء هبوط أسعار النفط. وقد يؤثر الدولار على السياسة النفطية فى منظمة أوبك، وفى الماضى كانت بلدان أوبك ومنها السعودية تتذرع بتراجع الدولار بوصفه سببا يبرر ارتفاع أسعار النفط بالنظر إلى أن عائداتها النفطية مقومة بالدولار. وتشير تقديرات دويتشه بنك إلى أن الأسعار الفورية للنفط تقل الآن كثيرا عن المستوى اللازم لتحقيق توازن الميزانية فى البحرين (136 دولارا للبرميل)، ونيجيريا (126 دولارا للبرميل)، وسلطنة عمان (101 دولار للبرميل)، وروسيا (100 دولار للبرميل)، والسعودية (99 دولارا للبرميل)، وفنزويلا (162 دولارا للبرميل). وقال البنك فى تقريره “داخل هذه المجموعة تتمتع السعودية برصيد كبير من الاحتياطات يمكنها من تخفيف آثار هبوط أسعار النفط لفترة ممتدة دون الاضطرار إلى الاقتراض أو اتباع سياسة تقليص الإنفاق، ويصدق الأمر نفسه بدرجة أقل على روسيا.” وقال المحللون فى دويتشه “لكن نيجيريا ستستنزف مدخراتها النفطية المحدودة فى غضون عام إذا استمرت الأسعار عند مستوياتها الحالية فى غياب أى تعديل، ولا تملك فنزويلا احتياطيات يمكن التعويل عليها لاستيعاب هذه الصدمة، وفى أماكن أخرى لا تزال مستويات التعادل دون الأسعار الفورية فى الكويت (75 دولارا للبرميل)، والإمارات (80 دولارا للبرميل). وفى جانب المستهلكين ساهم الانخفاض الحاد لقيمة العملات فى تركيا واليابان وإندونيسيا إلى حد ما فى تقليص المكاسب الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، وتشهد الصين والهند وكوريا الجنوبية أكبر المكاسب الناجمة عن تراجع أسعار النفط وذلك بفضل عملاتها المحلية القوية. وكانت أسعار النفط ارتفعت قليلا عند التسوية يوم الجمعة متعافية من أدنى مستوياتها فى نحو أربع سنوات مع عودة المستثمرين للشراء فى السوق التى شهدت تراجعا حادا فى الأسعار، وفى ظل القتال الدائر فى العراق الذى زاد من المخاطر السياسية، وخسر النفط أكثر من 25 بالمائة من قيمته منذ يونيو بفعل وفرة المعروض وبوادر على ضعف نمو الطلب.