تقرير : الاحتياط الفيدرالي ينهي والأوروبي يبدأ التيسير الكمي
قال بنك الكويت الوطني في موجزه الصادر اليوم عن الاقتصاد الدولي أنه ومع بداية الربع الأخير من العام 2014 يبدو أن نمو الاقتصاد الدولي يسير على وتيرة معتدلة عند 3.3٪. كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتحسن النمو للعام 2015 ليصل الى 3.8٪. ولا تزال أميركا الأفضل أداء بين الاقتصادات المتقدمة حيث من المتوقع ان تسجل نمواً بواقع 3٪ للنصف الثاني من العام 2014 (الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي). كما سيكون من الصعب على اليابان ومنطقة اليورو أن تصل الى نسبة 1٪ خلال هذا العام والعام القادم، وهو ما لن يتحقق إلا من خلال اتخاذ اجراءات صارمة من قبل البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان المركزي. وتبين العديد من التوقعات التي من ضمنها توقعات صندوق النقد الدولي أن المخاطر بشأن النمو قد تنذر بمزيد من التراجع. ونتفق نحن بدورنا مع تلك التوقعات لا بل نرى ان بعضها لا زال يعكس تفاؤلا مفرطابآفاق الاقتصاد العالمي. وقد قامت العديد من الجهات بخفض توقعاتها للنمو (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية).
وقد شهدت أسواق الأسهم تحسناً في الأداء في الفترة الأخيرة في ظل الظروف المذكورة أعلاه، حيث تم تسجيل ارتفاعات تاريخية كتلك التي تم تسجيلها قبل الأزمة المالية. وسجل السوق الأميركي حالياً زيادة بواقع 7٪ منذ مطلع العام (على أساس مؤشر ستاندرد أن بورز) وذلك رغم تراجعات أكتوبر. وقد ساهمت الكثير من العوامل في دعم نشاط الأسهم كتحسن النمو وتراجع أسعار الفائدة والوعود بشأن اتخاذ البنوك المركزية خطوات صارمة في مواجهة أي مشاكل قد تطرأ. وتعتبر اقتصادات أوروبا والصين الأكثر ضراوة، حيث تتوقع وتتأمل الأسواق توقف تراجع النمو في أوروبا بمساندة من البنك المركزي الأوروبي وبرنامجه الجديد للتيسير الكمي. أما الصين، فتتوقع أسواقها تجنّب أي “أحداث” مالية قد تنجم عن النشاط المصرفي غير المنظم، والحفاظ على النمو الاقتصادي بنسبة قريبة من مستواه المستهدف عند 7.0 – 7.5٪. ورغم أن المخاطر في كلتا الحالتين قد تكون مكبوحة، إلا أنها في ازدياد. كما يعاني الاتحاد الأوروبي من الخطوة الجديدة التي اتخذها البنك الأوروبي المركزي ولكن الاقتصاد لا يزال يسير على وتيرة بطيئة. كما تسببت البيانات الأخيرة بشأن الصين في قيام العديد من المؤسسات بخفض توقعاتها بشأن اقتصاد الصين.
أما في أميركا، فقد جاءت البيانات في مصلحة الاقتصاد ومجلس الاحتياط الفيدرالي وسوق السندات. حيث جاء معدل التضخم أقل من المستوى المستهدف ولكن ليس بعيداً عنه عند 2.0٪. كما أن معدل التوظيف في تحسن نسبي، مما يشير الى استبعاد أي تحرك من قبل مجلس الاحتياط الفدرالي. وقد استقر المنحنى بشكل كبير منذ بداية العام. ولا تزال عوائد السندات لفترة العشر سنوات قريبة من 2.25٪ بينما أسعار السندات ذات فترات استحقاق أقل قد ارتفعت نتيجة الارتفاع المتوقع والذي سيكون الأول من نوعه في أسعار فائدة الأموال الفيدرالية منذ العام 2008. ويترقب حدوث هذا الارتفاع في منتصف العام 2015 مع وجود آمال بأن يقوم مجلس الاحتياط الفيدرالي بالتحكم بالتحركات وما يصاحبها من ردود أفعال من قبل الأسواق.
وقد أعلن مجلس الاحتياط الفيدرالي في اجتماعه الذي عُقد في شهر سبتمبر بأنه سيتم الانتهاء من برنامج التيسير الكمي الثالث في شهر أكتوبر لكن أسعار الفائدة الرسمية لن ترفع قبل العام القادم (خلال الربع الثالث وفق توقعاتنا). وفي الوقت الذي يعلن فيه مجلس ااحتياط الفيدرالي عن إنهاء برنامج التيسير الكمي، يقوم البنك المركزي الأوروبي بالتحضير لبرنامج مماثل. فقد بدأ مجلس الاحتياط الفيدرالي ببرنامج التيسير الكمي منذ العام 2008 في الوقت الذي كان معدل التضخم في أميركا يهدد مستوى الـ1٪. أما معدل التضخم للاتحاد الأوروبي فيقف حالياً عند أقل من 1٪ منذ أكثر من عام (0.4٪ في بيانات شهر أغسطس) ولم يتجه الاتحاد الأوروبي نحو اتخاذ أي اجراءات صارمة إلا الآن، مع توفير 83 مليار يورو من خلال عمليات اعادة الشراء المستهدفة طويلة الأجل، والتي بدأت في سبتمبر، بالإضافة الى عمليات شراء مرتقبة لسندات مدعومة بأصول، وهي أحد أنواع التيسير الكمي. ويكفي القول بن هذا التغير في السياسة قد قد انعكس على سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأميركي، مع ارتفاع الدولار الأميركي بنحو 7٪ منذ مطلع العام في سبتمبر.
ومن المؤكد وجود العديد من المخاطر الجيوسياسية في الصورة، والتي رغم تراجعها بشكل طفيف خلال الأسابيع الأخيرة، لا تزال موجودة. أقل هذه المخاطر هو استقلال اسكتلندا، لا سيما بعد تصويت الشعب الاسكتلندي لعدم الاستقلال خلال سبتمبر. ولا تزال بعض المخاطر قادرة على التأثير بالاسعار منها الازمة بين روسيا وأوكرانيا بالإضافة الى التطورات في الشرق الأوسط. وقد فشلت الاخيرة في رفع أسعار النفط نتيجة تراجع الطلب العالمي على النفط وقوة الدولار وتوفر الإمدادات مما ابقى سعر مزيج برنت تحت 100 دولار للبرميل. وعلى الرغم من تراجع الأسعار الى أقل من 100 دولار للبرميل، إلا أنها لا تزال قريبة من أسعار تعادل ميزانيات المصدرين الرئيسيين من دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن أي انخفاض إضافي ملحوظ في الأسعار قد يؤدي الى تحقيق عجز في بعض الدول.
وقد استقرت أسعار النفط في دول مجلس التعاون ولاسيما في السعودية بالقرب من 100 دولار للبرميل خلال السنوات الأخيرة. ومن الممكن أن تخفض هذه الدول من انتاجها في حال تراجعت الأسعار بشكل أكبر بعد تراجعها بواقع 25٪ من مستوياتها المرتفعة. ولا تزال هناك العديد من التساؤلات حول أسعار النفط، ومن المفترض أن تعقد منظمة أوبك اجتماعاً في السابع والعشرين من نوفمبر. ورغم أن انخفاض أسعار النفط من شأنه أن ينعكس سلبا على الناتج المحلي الإجمالي النفطي في الاقتصادات الخليجية، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لا يزال مدعوماً بمستويات التوظيف القوية والمستقرة وقوة الإنفاق الحكومي ووتيرة تنفيذ المشاريع. وسوف تتيح الاحتياطيات النقدية والمالية الضخمة لدول مجلس التعاون الخليجي المزيد من الوقت لتتكيف مع الوضع الجديد. ولا نزال عند توقعاتنا بأن يحقق الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الخليجي نموا قويا بواقع 5٪ بالأسعار الثابتة خلال العامين القادمين.