جلوبل: مخاوف تُحيط بدول “التعاون” بسبب تراجع أسعار النفط
التوقعات على المدى الطويل لا تزال إيجابية
أصدرت بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) تقريراً حصلت “مباشر” على نسخة منه قالت فيه أن أسواق دول مجلس التعاون الخليجي تراجعت بشكل حاد في الثلاثون من شهر نوفمبر الماضي وذلك اثر قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عدم خفض الانتاج وترك سقف الانتاج اليومي دون تغيير عند 30 مليون برميل يوميا، على الرغم من زيادة العرض الذي تسبب في انخفاض أسعار النفط أكثر من 35 في المائة. هذا وقد تراجعت الاسواق الخليجية بعد قرار منظمة أوبك، حيث شهد سوق سلطنة عمان انخفاضاَ حادا بنسبةَ 6.2 في المائة، تلاها السوق السعودي بنسبة 4.8 في المائة، دبي بنسبة 4.7 في المائة، قطر بنسبة 4.3 في المائة، الكويــــت بنسبة 3.3 في المائة، أبو ظبي بنسبة 2.6 في المائة، ثم البحرين بنسبة 0.6 في المائة.
علاوة الى ذلك، انخفض مؤشر تداول بما نسبته 13.2 في المائة خلال الشهر الماضي على ضوء هبوط سعر النفط الخام في الشهرين الماضيين.
وتجدر الاشارة الى أن سعر سهم أكبر شركة مساهمة عامة في المملكة العربية السعودية، وهي الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، قد شهد تراجعا بنسبة 20.4 في المائة خلال الشهر الماضي. كما انخفض سهم شركة كيان السعودية للبتروكيماويات بنسبة 18.6 في المائة. هذا وقد شهد السوق السعودي بعضاً من التعافي بعد ذلك التراجع في حين أظهرت الاسواق الاخرى نشاطا متفاوتا.
المخاوف العالمية أضافت إلى الشعور السلبي للأسواق الخليجية
وقال التقرير أن الظروف الاقتصادية العالمية للتراجع في أسعار النفط أضافت إلى الحالة السلبية للأسواق الإقليمية. فعلى الرغم من مؤشرات الانتعاش للاقتصاد الامريكي، الا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية في المناطق الرئيسية الأخرى اثر سلبا على أسواق الأسهم الرئيسية، حيث ارتفعت أسعار المستهلكين في أوروبا بوتيرة أبطأ في نوفمبر، مما زاد من مخاوف الانكماش في تلك القارة. علاوة على ذلك، تراجع الاقتصاد الياباني أيضا نحو الركود حيث تقلصت نسبة النمو في الربع الثالث من هذا العام. كما أضافت البيانات الاقتصادية السلبية للدول النامية الى الشعور السلبي العام، حيث تباطأ النمو في الاقتصاد الصيني على ضوء الركود المسجل في سوق العقارات. ونتيجة لذلك، خفضت الصين أسعار الفائدة بشكل غير متوقع لتحفيز النمو في البلاد. الى ذلك، فان الولايات المتحدة ليست في مأمن من الظروف الاقتصادية العالمية، ومن المتوقع أن تتأثر جزئياً بالأزمة العالمية.
تراجع أسعار النفط منذ أغسطس 2014
وانخفض سعر نفط برنت بما نسبته 35 في المائة منذ بداية عام 2014، حيث لامس أدنى مستوياته في أربع سنوات وسط تكهنات بأن منظمة أوبك سوف تمتنع عن احداث أي تغيير للفائض العالمي. وكان الانخفاض الحاد الأخير مفاجأة لمعظم صناع القرار وخبراء السوق، حيث أن اسباب التراجع لم تكن على اساس قاعدة العرض والطلب وذلك مع حدوث فائضاً في المعروض بسبب الإمدادات القوية للولايات المتحدة من النفط الصخري، اضافة الى استئناف الإمدادات من ليبيا والعراق بسبب تحسن الظروف الجيوسياسية تزامنا مع الركود الاقتصادي لكلا من أوروبا والصين. الى ذلك، فقد توقعت ادارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) بأن يكون نطاق السعر المتداول للنفط في عام 2015 ما بين 80-90 دولار للبرميل، أي بمتوسط 83 دولار للبرميل، علما بأنه لن يكون مستبعداً تعديل هذا النطاق الى ما بين 70-80 دولاراً للبرميل.
التقلبات التاريخية في أسعار النفط أثرت بشكل كبير على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي
كانت للأحداث الجيوسياسية والكوارث الطبيعية المرتبطة بشكل غير مباشر في أسواق النفط العالمية الأثر القوي على المدى القصير لأسعار النفط. حيث أن التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية، وأحداث عام 2006 بين إسرائيل ولبنان، والمخاوف بشأن الخطط النووية الايرانية في عام 2006، اضافة الى أحداث اخرى، قد أدت الى تقلب أسعار النفط لفترة محدودة. وفي عام 2008، تبين أن الضغوط السابق ذكرها كان لها اثر ضئيل على أسعار النفط وذلك مع بداية ظهور حالة الركود العالمي.
فخلال الترة بين مارس 2007 ويونيو 2008، شهدت أسعار النفط العالمية ارتفاعا ملحوظا بنسبة 76 في المائة ومن ثم انخفاضاً سريعاً بنسبة 48 في المائة خلال الأزمة الاقتصادية العالمية بين يوليو 2008 وأكتوبر 2008، حيث تسبب تباطؤ الطلب على النفط في أواخر عام 2008 الى تراجع السعر من أعلى مستوى له في يوليو 2008 عند 147 دولار للبرميل إلى 32 دولار للبرميل في أواخر ديسمبر. أما بحلول اكتوبر عام 2009، فقد استقرت أسعار النفط وأنشأت نطاق للتداول ما بين 60-80 دولار للبرميل. هذا وقد أدى انخفاض أسعار النفط بعد عام 2008 الى التأثير سلبا على ايرادات النفط للدول الخليجية مع تراجع الناتج المحلي الاجمالي، اضافة الى انخفاض حاد في أسواق الاسهم.
تراجع عائدات النفط قد يؤثر على فائض الميزانية لدول مجلس التعاون الخليجي
الاعتماد العالمي على قطاع النفط والغاز قد ارتفع بشكل كبير مما أدى إلى هيمنة دول مجلس التعاون الخليجي على ذلك القطاع، حيث تعد تلك الدول موطنا لـما نسبته 45 في المائة من احتياطيات النفط المؤكدة وتسهم بما يقرب من 35 في المائة من صادرات النفط العالمية سنويا. هذا ومع اعتماد الاقتصادات في دول مجلس التعاون الخليجي على صادرات النفط والغاز، فان مسألة تذبذب أسعار النفط وانتقال التأثير على جوانب عدة من الاقتصاد يعد ذو أهمية كبيرة. علما بأن تلك الصدمات والتقلبات قد بدأت تبرز كعامل اساسي ومؤثر على الثروة النفطية المتراكمة والمقدرة بأكثر من 500 مليار دولار.
إلى ذلك، يبلغ انتاج دول مجلس التعاون الخليجي ما يقرب من نسبة 20 في المائة من النفط العالمي، كما تسيطر على ما نسبته 35 في المائة من صادرات النفط العالمية. نتيجة لذلك، فان تحديد دخل الدول والنفقات والتخطيط المالي يعتمد إلى حد كبيرعلى صادرات النفط وأسعاره العالمية. في حين أنه في السنوات القليلة الماضية، استفادت دول مجلس التعاون الخليجي من ارتفاع أسعار النفط حيث تضاعفت ايراداتها من 317 مليار دولار في عام 2008 الى 729 مليار دولار في عام 2013.
مع ذلك، من المتوقع ظهور ضغوط كبيرة نظرا لمتطلبات التمويل لعدة قطاعات، مما قد يجهد الميزانية في المنطقة. هذا ووفقا لصندوق النقد الدولي، فانه من الممكن أن يؤثر تراجع أسعار النفط على معدلات النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي، الامر الذي من شأنه أن يظهر ضغطا ماليا جديدا على صناع القرار في المنطقة للحد من خطط الإنفاق، حيث قد تعاني المملكة العربية السعودية عجزا في الميزانية في العام المقبل إذا ما استمر تراجع اسعار النفط مع بقاء الإنفاق العام أيضا عند المستويات الحالية. علما بأن اقتصادات تلك الدول، بدون تأثير انخفاض اسعار النفط، قد تنمو بنسبة 4.5 في المائة في عام 2015 بدعم من القطاعات الغير نفطية وزيادة الإنفاق الحكومي وتوسع الائتمان للقطاع الخاص.
في الوقت الحاضر، يبلغ سعر خام برنت أقل من المستوى المطلوب لتحقيق التوازن في الميزانية في البحرين وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. أما في الدول الاخرى، الكويت وقطر، فان السعر الفوري لخام برنت يقع فوق نقطة التعادل، علما بأن أي تراجع اخر للسعر سيؤثر سلبا وبشكل ملحوظ في الموازنة لدول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة الدول ذات مستويات تعادل عالية.
أوبك تحاقظ على الوضع الراهن للانتاج النفطي ودعم آلية تسعير عادلة
لا يزال كبار منتجي النفط يحافظون على مستويات انتاج مرتفعة على الرغم من تراجع اسعار النفط. فقد قررت منظمة أوبك في اواخر الشهر الماضي بعدم خفض إنتاج النفط بعد تراجع الاسعار في الاشهر الماضية. علما بأن المملكة العربية السعودية قد حافظت الى حد قريب على انتاجها، حيث بلغ 9.69 مليون برميل يوميا في اكتوبر من 9.704 مليون برميل يوميا في سبتمبر.
التوقعات لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي على المدى الطويل لا تزال إيجابية
لا تزال التوقعات على المدى الطويل لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي إيجابية ولن تتأثر الى حد كبير بتراجع أسعار النفط. هذا ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فانه من المتوقع أن يرتفع الطلب على النفط في عام 2040 الى 104 مليون برميل يوميا، مقارنة مع المستوى الحالي عند 90 مليون برميل يوميا.
علما بانه لتلبية هذا الطلب، فان جميع الانواع كالنفط التقليدي من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق، والنفط غير التقليدي مثل: الزيت الصخري من الولايات المتحدة ومصادر أخرى؛ نفط البحر العميق في البرازيل؛ النفط الرملي في كندا؛ والنفط من منطقة القطب الشمالي ستكون مطلوبة، مع الاشارة الى أن النفط غير التقليدي يحتاج الى سعر 90 دولار للبرميل، وبما ان الأسعار الحالية لا تدعم تطوير هذه الموارد، وهناك بالفعل مؤشرات على التباطؤ في الاستثمار في الإنتاج الغير تقليدية، فانه من المتوقع أن يستقرسعر النفط عند مستوى عادل في المدى الطويل. علاوة على ذلك، فان نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون ستبقى على حالها في السنوات القادمة بدعم من التوسع في القطاعات غير النفطية.
هذا ووفقا لأحدث مسح أجرته وكالة رويترز لمديري الأصول في المنطقة ،فان مديري الصناديق في الشرق الأوسط يتوقعون أن يضخوا أموالا في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي في الأشهر المقبلة وذلك عند انتهاء موجة التراجع لأسعار النفط واستقرارها، علما بأن أسواق دول مجلس التعاون الخليجي قد تنخفض أكثر على المدى القصير إذا بقيت اسعار النفط عند مستويات متدنية.
ونظرا لعدم وجود أي حافز على المدى القريب، وقبل الارباح السنوية المتوقع ظهورها في يناير 2015، فانه من المحتمل أن تظل الاسواق هادئة. أماعلى المدى الطويل، لا تزال النظرة ايجابية حيث فقد السوق بالفعل الكثير من زخمه، الامر الذي قد يوفر فرص شراء قيمة في بداية عام 2015.