مئات المليارات تنفق من السعودية والإمارات وقطر علي المباني التحتية
أثار انتعاش أسعار النفط في العقد الماضي موجة انفاق كبيرة من قبل الحكومات في دول الخليج على البنى التحتية. اذ تُضخ مليارات الدولارات في بناء الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية في اطار سعيها لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاعتماد على ايرادات النفط والاندماج بشكل أوثق مع الأسواق العالمية.قد بدأت تلك الخطط والمشاريع تثمر وتتحقق. ففي قطر، التي تستثمر أكثر من 200 مليار دولار على البنى التحتية استعدادا لاستضافة مونديال 2022، افتتح مطار حمد الدولي الشهر الماضي بتكلفة بلغت 17 مليار دولار وهو المطار الذي صمم لاستيعاب والتعامل مع 30 مليون مسافر سنويا.بحسب جريدة القبس
كما بدأت دبي بتشغيل أسطول ناقلات الشحن الجوي سكاي كارغو الشهر الماضي في مطارها الثاني، وأنشأت ممرا للشحن يربط بينه وبين ميناء جبل علي ومطار دبي الأول، الذي أصبح أكثر مطارات العالم ازدحاما هذا العام.
ويقول البنك الدولي ان الشرق الأوسط بحاجة الى استثمار حوالي 100 مليار دولار في العام على مشاريع البنى التحتية لمواكبة الطلب المحلي الناجم عن تعداد سكاني يزداد بوتيرة سريعة وتشكل غالبيته العظمى الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما.
ويقول صندوق النقد الدولي انه من المتوقع أن يتحسن النمو الاقليمي مواكبة انتاج وصادرات النفط للانتعاش الذي يشهده الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تستمر فيه المستويات المرتفعة للانفاق العام وتسريع ائتمان القطاع الخاص، في تقديم الدعم للاقتصاد غير النفطي.
وكما يقول جمال ماجد بن ثنية، نائب رئيس مجلس ادارة موانئ دبي العالمية، ثالث أكبر شركة في العالم لتشغيل الموانئ في العالم «فلسفتنا قائمة على أن نكون مستعدين وجاهزين لتلبية الطلب في وقت مبكر. الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، جميعها مناطق تتمتع فيها موانئ دبي العالمية بحضور قوي ونستعد للنمو في السنوات المقبلة».
حوالي %90 من تجارة البضائع والسلع في العالم يتم نقلها عبر الجو، وفق تقرير منتدى الاقتصاد العالمي لعام 2012، ولهذا السبب فان البلدان الأخرى في منطقة الشرق الأوسط تحرص على استغلال هذا السوق.
فعلي بعد أقل من ساعة عن موانىء دبي العالمية في ميناء جبل علي، الأكبر في المنطقة، تبني شركة موانىء أبوظبي منطقة صناعية. وفي الوقت الراهن، تقدم موانىء عمان ميزة موقعها الاستراتيجي خارج مضيق هرمز، كنقطة عبور لحركة المرور القادمة والخارجة من الخليج، وتمركز نفسها في موقع ربط سريع للسفن القادمة من آسيا.
كما أن هناك المزيد من المشاريع قيد التنفيذ في المنطقة التي ستنفق 600 مليار دولار بحلول 2020 على مشاريع البنى التحتية، وفق تقرير لديلويت الشرق الأوسط. اذ استثمرت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، مبالغ هائلة في بناء الطرق والمطارات والمدن الصناعية منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، في محاولة لابعاد الاضطرابات عن أراضيها. وتسعى المدن الجديدة لاستقطاب الشركات المتعددة الجنسيات.
وكما يقول ديفيد برازير، مدير مشاريع البني التحتية في ديلويت ومقره الرياض، «بوصفها أكبر اقتصاد في العالم العربي، يعتبر الطلب على البنية التحتية والاجتماعية والاقتصادية أمرا واقعيا وحقيقيا جدا في السعودية، وتكمن وراء كل ذلك، ضرورات خلق فرص عمل مستدامة واعادة التوازن الى الاقتصاد لتحقيق دور أكبر للقطاع الخاص».
أكثر من ثلث الانفاق المقبل في الخليج سيكون على شبكات السكك الحديد، وفق ديلويت. وتأتي السعودية في المقدمة في هذا الصدد، حيث وضعت مسارات بطول 2700 كيلومتر في أنحاء المملكة تربط بين الساحلين الشرقي والغربي لتجعل من حركة نقل الشحن والمسافرين أكثر سهولة.
كما تبني الامارات شبكتها الخاصة بها لنقل الحمولات بين الموانىء. قطر أيضا تخطط لانفاق 35 مليار دولار على بناء سكك الحديد. وسوف يؤدي ذلك في نهاية المطاف الى شبكة اقليمية تربط دول الخليج بموانىء البحر الأحمر في الشرق والعراق في الشمال.
وكما يقول سايمون ويليامــز، كبير الاقتصاديين في «اتش اس بي سي» الشرق الأوســط « مقارنة بباقي المناطق، التجارة البينية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منخفضة جدا جدا، فهياكل الاقتصاد متشابهة للغاية عند الاقتصادات الرئيسية في المنطقة، اذ أن جميعها يبيع النفط للسوق العالمية، وتشتري ما تحتاج اليه من منتجات فخمة أو رخيصة من أنحاء العالم وليس من بعضها البعض».
ويضيف « العائق الأساسي لن يتم تجاوزه بالكامل على الاطلاق، لكن الانشاء التدريجي لبنية المواصلات والنقل التحتية سوف يساعد في تجاوز العقبات. اذ تساعد البنية التحتية في تغيير الجغرافيا الاقتصادية للمنطقة، فالأنظمة الاقتصادية تميل الى النمو في محيطها وحواليها».
وشكل النفط حوالي %70 أو أكثر من صادرات الدول المنتجة للهيدروكربون في 2012، وفق بيانات جمعها «اتش اس بي سي». ومع ذلك، وفي حين أن اجمالي التجارة الاقليمية مع العالم الخارجي قيم عند 2 تريليون دولار في 2012، فان التجارة البينية قد يتضاعف حجمها الى حوالي 300 مليار دولار في 2020.
ما هو مفقود في خطط الانفاق للمنطقة هو الاستثمارات المقابلة في البنية التحتية الناعمة، مثل تبسيط العمليات التجارية وتعزيز المهارات المهنية، وفق ما يقول طارق السلطان، الرئيس التنفيذي لشركة أجيليتي.
ويضيف «هذه غالبا ما تكون أكثر أهمية لتصويبها ووضعها على المسار الصحيح من البنية التحتية المادية، لاسيما اذا كانت الاجراءات التي تقف خلفها جميعها قديمة وغير فعالة. اذا تم علاج واصلاح تلك المشاكل، فان الموانىء يمكن أن تتعامل مع أضعاف مضاعفة من الحاويات، على سبيل المثال. وهو ما من شأنه على الأرجح أن يطلق الطاقات الكامنة للتجارة في الشرق الأوسط».